كيف نصبح أتقياء ونحن في هذه الحال؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
سادتي الكرام، معشرَ الشيوخ والأدباء والعلماء:
إنني أكاتبكم بخصوص موضوع شائك وعسير طالما فكرتُ فيه، كيف أجد له حلاًّ؟ وكيف نستطيع - نحن المسلمين - أن نتوصل إلى علاج مرض قد استفحل في المجتمع الاسلامي بشكل كبير، ألا وهو الرِّشوة والمحسوبية، فأنا قد وجدت كثيرًا من الناس يقول: إن دفعك مبلغًا ماليًّا للسفارة السعودية غير المبلغ العادي لتأدية مراسم الحج هو نوع من المساعدة لمن يقدِّم لك خدمة، مع العلم أن مهمة السفارة أن تقدِّم التأشيرة بدون مقابل، إنني في حيرة من أمري، وقد كاتبت "اقرأ" من قبل بخصوص هذا الموضوع ولم ألقَ أي جواب لهذا المشكل.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا شك أن الرِّشْوة داءٌ وبيل ومرض خطير، خطرُها على الأفراد والمجتمع عظيم، فهي دعوةٌ قبيحة لنشر الرذائل والفساد، وإطلاق العنان لرغبات النفوس، وانتشار الاختلاف والتزوير، واستغلال السلطة والتحايل على النظام، فتتعطل حينئذ مصالح المجتمع، ويسود فيه الشر والظلم، وينتشر بينه البُؤس والفقر والشقاء، وما يقع فيها امرؤ إلا ومُحِقت منه البركة في صحته ووقته، ورزقه وعياله وعمره، وما تدنَّس بها أحد إلا وحُجبت دعوته، وذَهبت مروءته، وفسدت أخلاقه، ونُزع حياؤه، وساء منْبَته.
لذلك؛ فالواجب على المسلم اجتنابها والحذر منها، وتحذير الناس من تعاطيها؛ لما فيها من الفساد العظيم، والإثم الكبير، والعواقب الوخيمة.
وقد سئل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز: ما هي آثار الرشوة على عقيدة المسلم؟
فأجاب: الرِّشوة وغيرها من المعاصي التي تضعف الإيمان، وتغضب الربَّ - عز وجل - وتسبِّب تسليط الشيطان على العبد في إيقاعه في معاصٍ أخرى، فالواجب على كل مسلم ومسلمة الحذر من الرشوة، ومن سائر المعاصي، مع ردِّ الرشوة إلى أصحابها إن تيسَّر له ذلك، فإن لم يتيسر له ذلك، تصدَّق بما يقابلها عن صاحبها على الفقراء، مع التوبة الصادقة؛ عسى الله أن يتوب عليه. [كتاب الدعوة، ص 157].
وسئل سماحته: ما آثار الرشوة على إفساد مصالح المسلمين وسلوكهم وتعاملهم؟
فأجاب: من آثار الرشوة على مصالح المسلمين: ظلم الضعفاء، وهضم حقوقهم، أو إضاعتها، أو تأخر حصولها بغير حق؛ بل من أجل الرشوة، ومن آثارها أيضًا: فساد أخلاق من يأخذها، من قاضٍ وموظف وغيرهما، وانتصاره لهواه، وهضم حق من لم يدفع الرشوة، أو إضاعته بالكلية، مع ضعف إيمان آخذها، وتعرُّضه لغضب الله، وشدة العقوبة في الدنيا والآخرة، فإن الله - سبحانه - يمهل ولا يغفل، وقد يعاجل الظالم بالعقوبة في الدنيا قبل الآخرة؛ كما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: « »؛ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
ولا شك أن الرشوة وسائر أنواع الظلم من البغي الذي حرَّمه الله، وفي الصحيحين عن النبي – صلى الله عليه وسلم - أنه قال: « »، ثم تلا النبي قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:102]؛ [كتاب الدعوة، ص 156].
وسئل سماحته: كيف يكون حال المجتمع حين تنتشر فيه الرشوة؟
فأجاب: لا شك أن المعاصي إذا ظهرت تسبِّب فرقة المجتمع، وانقطاع أواصر المودة بين أفراده، وتسبب الشحناء والعداوة وعدم التعاون على الخير، ومن أقبح آثار الرشوة وغيرها من المعاصي في المجتمعات: ظهور الرذائل وانتشارها، واختفاء الفضائل، وظلم بعض أفراد المجتمع فيما بينهم للبعض الآخر؛ بسبب التعدِّي على الحقوق بالرشوة والسرقة، والخيانة والغش في المعاملات، وشهادة الزور، ونحو ذلك من أنواع الظلم والعدوان، وكل هذه الأنواع من أقبح الجرائم، ومن أسباب غضب الرب، ومن أسباب الشحناء والعداوة بين المسلمين، ومن أسباب العقوبات العامة؛ كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «
أما ما ذُكر في السؤال من دفع مبلغٍ ماليٍّ للسفارة السعودية غير المبلغ الأصلي؛ للحصول على تأشيرة الحج، فإن كان هذا المال يعطى للموظف، ولا يعود إلى ميزانية السفارة، فهو من الرشوة المحرَّمة، ويأخذه الموظَّف سُحتًا ومالاً حرامًا، فإذا لم يتمكن الشخص من استخراج التأشيرة إلا بدفع هذا المبلغ له، فلا حرج عليه حينئذ - إن شاء الله - والإثم يعود على الموظف آخذ الرشوة لا عليه؛ لأنه دفعه ليتوصَّل به إلى حق، فتحرم حينئذ على الآخذ دون المعطي.
ولمزيد من التفصيل؛ راجعي الفتاوى: "الرشوة لدفع ظلم أو أخذ حق"، "حكم الرشوة لإيجاد فرصة عمل"،،
والله أعلم.