التخلُّف عن الجماعة لعدم وجود المصلين في المسجد

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: فقه الصلاة - فتاوى وأحكام -
السؤال:

السلام عليْكم ورحمة الله وبركاته.

أريد فتوى في هذه الحالة، جزاكم الله كلَّ خير.
أنا أعيش في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، وبقربي مسجد، وفي وقْت صلاة الظّهر والعصْر لا يأْتي أحد للصَّلاة في المسجد من المصلِّين، فأضطَرُّ إلى الصَّلاة في البيت مع زوْجتي وأولادي جماعة، فما الحكم في ذلك؟ ولكم جزيل الشُّكر.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فقد سبق بيانُ حكم صلاة الجماعة في الفتوى: "حكم صلاة الجماعة".

ولا يجوز للرَّجُل التخلُّف عن صلاة الجماعة في المسجد إلاَّ لعذْر معتبر شرعًا، كالمرَض، أو المطر، ونحوهما، وقد تقدَّم تفْصيل ذلك في الفتوى: "
التخلف عن الجماعة عند العذر".

وعليه؛ فإذا كنتَ على يقينٍ من أنَّك لن تجِد مَن يصلِّي معك الظُّهر والعصْر في المسجد، فلا مانعَ حينئذٍ من تحصيل جماعة في البيت.

أمَّا إذا علمتَ أو غلب على ظنِّك أنَّه يصلِّي فيه - ولو فرد واحد - فالأولى صلاتُك في المسجد؛ لأنَّه في هذه الحالة تنتفي الأعْذار المبيحة للتخلُّف عن الصَّلاة في المسجد، كما أنَّ اثنين يكفيان لانعقاد الجماعة.

قال ابن هبيرة - رحمه الله -: "وأجْمعوا على أنَّ أقلَّ الجمْع الذي تنعقد به صلاة الجماعة في الفرْض غير الجمعة اثنان: إمام ومأموم قائم عن يَمينِه"؛ "الإفصاح".

وقال ابن قدامة - رحمه الله -: "تنعقد الجماعة باثنينِ فصاعدًا، لا نعلم فيه خلافًا". اهـ.

وأيضًا: فإنَّ الفضل الوارد فيما تفضل به صلاةُ الجماعة إنَّما هو مختصٌّ بِجماعة المسجد، وإلى هذا أشار البُخاري - رحمه الله - عندما ترْجم في صحيحه فقال: "باب: وجوب صلاة الجماعة"، ثمَّ أورد فيه حديث أبِي هُرَيْرة: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال:
«والَّذي نفْسي بيده، لقد هممتُ أن آمر بِحطب فيحطب، ثمَّ آمر بالصَّلاة فيؤذَّن لها، ثمَّ آمر رجُلاً فيؤمَّ النَّاس، ثمَّ أُخالف إلى رجالٍ فأحرق عليْهِم بيوتَهم، والَّذي نفسي بيده، لو يعلم أحدُهم أنَّه يجد عرقًا سمينًا أو مرماتَين حسنتين، لشهِد العِشاء».

ثم أوْرد في الباب الذي يليه - "باب فضْل صلاة الجماعة" - بعضَ الآثار.

قال الحافظ ابن حجر في شرْحِه: "والَّذي يَظْهَر لي: أنَّ البُخاريَّ قصَدَ الإشارة بأثَرِ الأسْوَد وأنَس إلى أنَّ الفَضْل الوارِد في أحادِيث الباب مَقْصُور على مَنْ جَمَعَ في المَسْجِد، دُونَ منْ جَمَعَ في بَيْته ... لأنَّ التَّجميع لَوْ لم يَكُنْ مُخْتَصًّا بالمَسْجِد، لجَمَّعَ الأسْوَد في مَكانِه، ولم يَنْتَقِل إلى مَسْجِد آخرَ لِطَلَبِ الجَماعة، ولما جاءَ أنَس إلى مَسْجِد بَني رِفاعة". اهـ.

وننبِّه السَّائل الكريم إلى أنَّه لا يجوز له الإقامة في بلاد الكُفْر إلاَّ في حالة الضَّرورة، وبشروطٍ سبقَ ذِكْرُها في الفتوى: "
شروط الإقامة في بلاد الكفار"، لسماحة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين.

هذا؛ والله أعلم.