حكم الجلوس مع شارب الخمر

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات - فتاوى وأحكام -
السؤال:

السَّلام عليْكم ورحمة الله، وبعد:

أنا وأصدقائي مبتعثون للدِّراسة بالخارج، وطبعًا يكثُر الشُّرب فيها، الحمد لله أنَّه لا أحد فينا يشرب الخمر، ولكن بعْض أصدِقائي يَعزمون شبابًا أجانب إلى البيت، وهؤلاء يُحضِرون معهم الخمر ويشربونه بين أصدقائي.

أنا أوَّل ما أرى الشُّرب أبدأ أسحب نفسي وأخرج، ولكن أريد أن أعرف ما حُكْم أصدِقائي الَّذين يُجالِسون شاربي الخمر؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإنَّه لا يجوز الجلوس مع مَن يشربون الخمر؛ لأنَّ البقاء معهم وهم على تلك الحال معصية يكون إقرارًا على المعصية، وإظهارًا للرِّضا، وهذا لا يجوز، وقد أمرنا الله بعدَم الجلوس في أماكن المنكرات عمومًا؛ فقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءَايَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [النساء: 140].

قال الطَّبري: "وفي هذه الآية الدّلالة الواضحة على النَّهي عن مجالسة أهل الباطل من كلّ نوع، عند خوضهم في باطلهم".

قال القرطبي في تفسيره: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}: "فدلَّ بهذا على وجوب اجتِناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأنَّ مَن لم يجتنبهم، فقد رضِي فعلَهم، والرِّضا بالكفر كفر؛ قال الله تعالى: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}، فكلّ مَن جلس في مجلس معصية ولم ينكِر عليْهم، يكون معهم في الوِزْر سواء، وينبغي أن ينكر عليْهِم إذا تكلَّموا بالمعصية وعمِلوا بها، فإن لم يقدِر على النَّكير عليهم، فينبغي أن يقوم عنْهم؛ حتَّى لا يكون من أهل هذه الآية، وقد روي عن عمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه - أنَّه أخذ قومًا يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنَّه صائم، فحمل عليه الأدب وقرأ هذه الآية: {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}؛ أي: إنَّ الرِّضا بالمعصية معصية؛ ولهذا يؤاخذ الفاعل والرَّاضي بعقوبة العاصي حتى يهلكوا بأجمعهم". اهـ.

ولقول النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخِر، فلا يقعُد على مائدةٍ يُشرب عليْها الخمْر»؛ رواه أحمد عن جابر - رضِي الله عنْه.

قال ابن بطَّال في "شرح البخاري": "فلا ينبغي حضور المنكر والمعاصي، ولا مجالسة أهلِها عليها؛ لأنَّ ذلك إظهار للرِّضا بها، ومَن كثَّر سواد قوم فهو منهم، ولا يأمن فاعل ذلك حلول سخط الله وعقابه عليْهم، وشمول لعنته لجميعهم، وقد روى ابنُ وهب عن مالك: أنَّه سُئل عن الرَّجُل يُدْعَى إلى الوليمة وفيها شراب، أَيُجيب الدعوة؟ قال: لا؛ لأنَّه أظهر المنكر".

وقال الشافعي: "إذا كان في الوليمة خمرٌ أو منكر وما أشبهه من المعاصي الظَّاهرة، نهاهم، فإن نحَّوْه وإلاَّ رجع".

وعليه؛ فالواجب عليْك وعلى أصدقائك عدم مجالسة شاربي الخمْر، وعدم السَّماح لهم بإحضار تلك الخمور عند زيارتهم لكم، وإلاَّ فلا يجوز دعوتُهم عندكم، ويجب عليْكم جميعًا أن تُجبروهم على احتِرام دينِكم الَّذي يحرّم الخمر، وينهاكم عن الجلوس في مجلِس يُشرب فيه الخمر، كما يتعيَّن عليْكم السَّعي في هدايتِهم للإسلام، بدلاً من الانغِماس معهم فيما يُغْضب الله، ويكون سببًا لحلول النِّقَم وزوال النِّعم، فإن رفضوا، فالواجب عليْكم هجرُهم، وعدم الخلطة بهم إلاَّ فيما لا بدَّ منه.

واعلموا جميعًا أنَّ صحبة السوء لا تأتي إلاَّ بالشَّرّ، وقد شبَّه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - صاحب السُّوء بنافخ الكير، فما بالك إن ضمَّ لخبث الخلق خبث المعتقَد بأن يكون كافرًا؟! فعن أبي موسى - رضي الله عنْه - عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: «مَثَلُ الجَليسِ الصَّالح والسّوءِ كَحاملِ المِسْكِ ونافِخِ الكيرِ، فحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَك، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ مِنْه، وإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَك، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً»؛ رواه البخاري ومسلم.

قال النَّووي شرح مسلم: "وفيه فضيلة مُجالَسة الصَّالحين، وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق، والورع والعلم والأدب، والنَّهي عن مجالسة أهل الشَّرّ وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يكثر فُجْرُه وبَطَالَتُه، ونحو ذلك من الأنواع المذْمومة". اهـ.

ولمعرفة حكم الإقامة في بلاد الكفَّار؛ راجع فتوى: "لا تجوز الإقامة في بلد يظهر فيه الشرك والكفر إلا للدعوة إلى اللّه" لسماحة الشيخ ابن باز،

 وفتوى: "شروط الإقامة في بلاد الكفار" للشيخ العثيمين،،

والله أعلم.