الاختيار قبل صلاة الاستخارة
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: التوحيد وأنواعه - فقه الصلاة -
هل يَجوز الاختِيار قبل صلاة الاستخارة سواء بالرَّفض أو القبول؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلمَّا كان الإنسان غيرَ عالم بمصلحتِه، ولا قادرٍ عليْها، ولا مريدٍ لها، كما ينبغي، والله - سبحانه - هو الَّذي يعْلم ويقْدر، ويُعطي من فضلِه العظيم - شُرِعَت له الاستِخارة، الَّتي حقيقتُها التوكُّل والتفْويض قبْل وقوع المقْدور، والرِّضا بعدَه، ومِن لازِمها أن يتبرَّأ العبْد من حوْلِه وقوَّته، وعلمِه واختِياره، ويفوِّض أمرَه إلى الله - عزَّ وجلَّ - وأن يرْضى بما يَختاره له ربُّه - جلَّ وعلا.
قال النَّوويُّ: "وينبغي أن يفْعل ما ينشرِح له صدرُه، فلا ينبغي أن يعتمِد على انشِراح كان له فيه هوًى من قبل الاستِخارة؛ بل ينبغي للمستخير ترْك اختياره رأسًا، وإلاَّ فلا يكون مستخيرًا لله؛ بل لهواه، وقد يكون غيرَ صادق في طلَب الخيرة، وفي التبرِّي من العلم والقدْرة، وإثباتِهِما لله تعالى، فإذا صدقَ في ذلك، تبرَّأ من الحوْل والقوَّة، ومن اختِياره لنفسِه". اهـ.
قال ابن القيِّم في "زاد المعاد": "فعوَّض رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - أمَّته بهذا الدُّعاء عمَّا كان عليْه أهل الجاهليَّة، من زجْر الطَّير، والاستِقْسام بالأزلام، الَّذي نظيره هذه القرعة التي كان يفعلها إخْوان المشْركين يطلبون بها عِلْم ما قُسم لهم في الغيْب، وعوَّضهم بهذا الدُّعاء، الذي هو توْحيد وافتِقار، وعبوديَّة وتوكُّل، وسؤال لِمَن بيده الخيرُ كلُّه، الذي لا يأْتي بالحسنات إلاَّ هو، ولا يصْرف السيِّئات إلاَّ هو، الَّذي إذا فتح لعبدِه رحمةً لَم يستطع أحد حبْسَها عنه، وإذا أمْسكها، لم يستطِع أحدٌ إرْسالَها إليْه - من التطيُّر والتَّنجيم، واختِيار الطالع ونحوه.
فهذا الدُّعاء هو الطَّالع الميْمون السَّعيد، طالع أهلِ السَّعادة والتَّوفيق، الَّذين سبقتْ لهم من الله الحسنى، لا طالع أهلِ الشرك والشَّقاء والخذلان، فتضمَّن هذا الدُّعاء الإقْرار بوجوده - سبحانه - والإقْرار بصفات كمالِه، من كمال العلم والقدرة والإرادة، والإقْرار بربوبيته، وتفويض الأمر إليه، والاستعانة به، والتوكُّل عليه، والخروج من عهدة نفسِه، والتبرِّي من الحول والقوَّة إلاَّ به، واعتراف العبْد بعجزِه عن علمه بمصلحة نفسِه، وقدرته عليها، وإرادته لها، وأنَّ ذلك كلَّه بيدِ وليِّه وفاطره وإلهِه الحقّ، الاستِخارة توكُّل على الله، وتفْويض إليه، واستقْسام بقدرته وعلمه وحسن اختياره لعبده".
وقال في "مدارج السَّالكين": "وكان شيْخُنا - رضي الله عنْه - يقول: المقْدور يكتنِفُه أمران: التوكُّل قبله، والرِّضا بعده، فمَن توكَّل على الله قبل الفعْل، ورضِي بالمقضيِّ له بعد الفعل - فقد قام بالعبوديَّة، أو معنى هذا.
قلت: وهذا معنى قوْل النبيِّ في دعاء الاستِخارة: « »، فهذا توكّل وتفويض، ثم قال: « »، فهذا تبرُّؤ إلى الله من العِلْم والحوْل والقوَّة، وتوسُّل إليه - سبحانه - بصفاته الَّتي هي أحبُّ ما توسَّل إليه بها المتوسِّلون، ثم سأل ربَّه أن يقضي له ذلك الأمر، إن كان فيه مصلحتُه، عاجلاً أو آجلاً، وأن يصرفه عنه، إن كان فيه مضرَّته، عاجلاً أو آجلاً، فهذا هو حاجته الَّتي سألها، فلم يبْق عليْه إلاَّ الرضا بِما يقضيه له، فقال: « ».
وممَّا سبق يتبيَّن أنَّ الاختِيار قبل الاستِخارة يجعلها معدومة الفائدة؛ لأنَّها توكُّل وتفْويض لله، فإن لم يرض بما قضى له، فتفْويضه وتوكُّله غير صحيح، ولأنَّها تكون عند "الهمّ"، وهو إنَّما يكون في النَّفْس قبل العمل، وهو مبدأ الإرادة، وحتَّى همُّ الإصرار، وهو الإرادة الجازمة، فيسبق الفِعْل أيضًا، وإن كان لا بدَّ أن يقترن به مع القدرة على فعْل المقدور،،
والله أعلم.