أول من فسر الاستواء بالعلو

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - الأسماء والصفات -
السؤال:

من هو أول من فسر الاستواء بالعلو؟ هل الرسول، أم الصحابة، أم الأئمة الأربعة؟ علمًا بأن عقيدتي فيها كما قال الإمام مالك: الاستواء معلوم، والكيفية مجهول، والسؤال عنة بدعة.

الإجابة:

الحمدُ لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فإن استِواء الله على العرْش بذاته بعد خلْق السَّماوات والأرْض، فإنَّما عُلم بالسَّمع - أدلَّة الكتاب والسنَّة - وهو صفة خبريَّة سمعيَّة، من صفات الأفعال التابعة للمشيئة والقدْرة؛ قال تعالى: {الرَّحْمنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وقال تعالى في خَمسة مواضِع: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ} [الأعراف: 54، يونس: 3، الرعد: 2، الفرقان: 59، السجدة: 4، الحديد: 4].

والاستِواء عند السَّلف هو العلوُّ والارتفاع، وهو إجْماع السَّلف الصَّالح، ولا خِلاف بينهم في ذلك.

قال العالِم الربَّاني عبدالله بن المبارك - رحِمه الله -: "نعرِف ربَّنا بأنَّه فوق سبعِ سموات، على العرش استوى، بائن من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهميَّة"؛ رواه الدَّارمي والحاكم والبيْهقي وغيرُهم بإسناد صحيح.

وقال قُتيبة بن سعيد: هذا قوْل الأئمَّة في الإسلام والسنَّة والجماعة: "نعرف ربَّنا – سبحانه - بأنَّه في السَّماء السَّابعة على عرشِه؛ كما قال تعالى: {
الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]".

قال إسحاق بن راهويه: حدَّثنا بشرُ بن عمر: سمعتُ غيرَ واحدٍ من المفسِّرين يقولون: {
الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى}؛ أي: ارتفع.

وقال البخاريُّ في صحيحه: قال أبو العالية: استوى إلى السَّماء: ارتفع، وقال مجاهد: استوى: علا على العرْش.

وقال الحسين بن مسعود البغويّ في تفسيره المشْهور: وقال ابنُ عبَّاس وأكثرُ مفسِّري السَّلف: استوى إلى السَّماء: ارتَفع إلى السَّماء.

فمذهب السَّلف في الاستِواء: هو إثباته لله كما أثْبته لنفسه، وكما أثْبته له رسولُه - صلَّى الله عليْه وسلَّم - من غير تَحريف ولا تعْطيل، ومن غير تكْييف ولا تَمثيل؛ بل يؤمنون بأنَّ الله مستوٍ على عرْشِه استواءً يَليق بِجلاله وكماله، ولا يشبه استواء أحد من خلقِه - تعالى الله عن ذلك.

كما ورد عن الإمام مالك - رحِمه الله - لَمَّا سُئِل عن الاستِواء فقال: "الاستِواء معْلوم، والكيْف مَجْهول، والإيمان به واجبٌ، والسُّؤال عنْه بدعة".

وكَذَلِك قال ربِيعةُ شَيْخُ الإمام مالِكٍ: "الاسْتِواءُ مَعلومٌ، والكَيْفُ مَجْهولٌ، ومِن اللهِ البَيانُ، وعلى الرَّسولِ البَلاغُ، وعَليْنا الإيمانُ".

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في
"مجموع الفتاوى": "فبيَّن أنَّ الاستواء معلوم، وأنَّ كيفية ذلك مجهولة، ومثل هذا يوجد كثير في كلام السَّلف، ينفون علم العباد بكيفيَّة صفات الله، وأنَّه لا يعلم كيف الله إلاَّ الله، فلا يعلم ما هو إلاَّ هو".

وعُلماء الأمَّة وأعْيان الأئمَّة من السَّلف لَم يختلِفوا في أنَّ الله - سبحانه - مستوٍ على عرْشه، وعرشُه فوق سبْع سمواته، قال ابن خزيمة: مَن لم يقرَّ بأنَّ الله تعالى فوق عرشِه قد استوى فوق سبع سمواتِه، فهو كافر.

وقال أحمد في كتاب "
السنَّة": حدَّثنا عباس، حدَّثنا شدَّاد بن يحيى قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: "مَن زعم أنَّ الرَّحمن على العرش استوى على خلافِ ما تقرَّر في قلوب العامَّة، فهو جهْمي".

قال شيخ الإسلام: "والَّذي تقرَّر في قلوب العامَّة هو ما فطر اللَّهُ - تعالى - عليه الخليقة، من توجُّهها إلى ربِّها تعالى عند النَّوازل والشَّدائد، والدّعاء والرَّغبات إليه - تعالى - نحو العلو، لا يلتفتُ يَمْنةً ولا يسرةً، من غير مُوقف وقفهم عليه، ولكن فطرة الله التي فطر النَّاس عليها، وما من مولودٍ إلاَّ وهو يولد على هذه الفطرة حتَّى يُجهِّمه، وينقله إلى التَّعطيل مَن يقيَّض له".

هذا؛ وننصح السائل الكريم بمراجعة:
"اجتماع الجيوش الإسلاميَّة على غزْو المعطِّلة والجهميَّة"، وبيان تلبيس الجهمية، و"مجموع الفتاوى"، لشيخ الإسلام ابن تيمية، في الأجزاء التي تكلم فيها عن العلو، والاستواء، وكذلك "الصواعق المرسلة"، ومختصره لابن القيم ، وراجع على موقعنا فتوى"العلو والاستواء والفارق بينه وبين الاستعلاء"،،

والله أعلم.