السنة: الدعاء في التَّشهُّد قبلَ السَّلام

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها -
السؤال:

هل من السنة الدعاء بعد التسليم من الصلاة؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:

فإن المواظبةُ على الدُّعاء بعد التسليم من الصَّلواتِ ليس من السُّنَّة؛ ولم يُحفظ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا عن أحد من الصَّحْبِ - فيما نعلم – ولكن لو دعا المسلمُ في هذا الموضع أحيانًا إذا شَعَرَ بِرِقَّة في قلبه، أو وجد حلاوة الدُّعاء، أو ما شابهه، ولكن بغير أن يتخِذَها عادة مُستمرة تدور بدَوَران الأيام والليالي - لكان جائزًا، أما لو واظب على الدُّعاء بعد التسليم بصورة أشبهت المسنون، فلا ريبَ في بدعِيَّتها.

قال شيخُ الإسلام ابن تيمية: "السُّنَّة الَّتي كان النَّبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - يفعَلُها ويأمُرُ بِها: أن يدعُوَ في التَّشهُّد قبلَ السَّلام؛ كما ثَبَتَ عنْهُ في "
الصَّحيح": أنَّه كان يقول بعد التَّشهُّد: «اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ من عَذَابِ جهنَّم، وأعوذُ بِكَ من عذابِ القَبْرِ، وأعوذُ بِكَ من فِتْنَة المَحْيا والمَمات، وأعوذُ بك من فِتنة المسيح الدَّجَّال»، وفي الصَّحيح أيضًا: أنَّه أَمَر بِهذا الدعاء بعد التَّشهُّد.

وكذلك في الصَّحيح: أنَّه كان يقولُ بعد التَّشهُّد قبلَ السَّلام:
«اللَّهُمَّ اغفِرْ لي ما قدَّمْتُ وما أَخَّرْتُ، وما أَسْرَرْتُ وما أَعْلَنْتُ، وما أنتَ أعْلَمُ به منِّي، أنتَ المقدِّم، وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت».

وفي الصَّحيح أحاديثُ غَيْرُ هذه: أنَّه كان يدعو بعد التَّشهُّد وقبل السلام، وكان يَدْعُو في سُجُودِه، وفي رِوايةٍ: كانَ يدعُو إذا رفع رأْسَهُ من الرُّكوع، وكان يَدْعُو في افْتِتاح الصلاة، ولم يَقُلْ أحدٌ عنه: إنَّه كان هو والمأمومون يدْعون بعد السلام؛ بل كان يذْكُر الله بالتَّهليل والتَّحميد والتَّسبيح والتَّكبير؛ كما جاء في الأحاديثِ الصحيحة". اهـ باختصار.

وقال: "إذا انصرفَ إلى النَّاس من مناجاةِ الله، لَم يكن موطن مناجاة له ودُعاء، وإنَّما هو موطنُ ذِكْرٍ له وثناءٍ عليْهِ؛ فالمُناجاة والدُّعاءُ حينَ الإقبالِ والتَّوجُّه إليه في الصلاة".

وقال الإمام ابنُ القيم في
"زاد المعاد": "أمَّا الدُّعاء بعد السلام من الصلاة مُستقبل القبلة أو المأمومين، فلم يكُن ذلك من هديه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أصلاً، ولا رُوي عنه بإسناد صحيح ولا حسن، وأمَّا تَخصيص ذلك بصلاتي الفجر والعصر، فلم يفعل ذلك هو ولا أحد من خلفائه، ولا أرشد إليه أُمَّته، وإنَّما هو استحسان رآه من رآه عوضًا من السنة بعدهما، والله أعلم، وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنَّما فعلها فيها وأمر بها، وهذا هو اللائق بحال المصلي، فإنَّه مُقبل على ربه يناجيه ما دام في الصلاة، فإذا سلَّم منها، انقطعت تلك المناجاة، وزال ذلك الموقف بين يديه والقرب منه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته، والقرب منه، والإقبال عليه، ثُمَّ يسأله إذا انصرف عنه؟! ولا ريبَ أن عكس هذه الحال هو الأَوْلَى بالمُصلي.

إلاَّ أنَّ ها هنا نُكتةً لطيفة، وهو أن المصلي إذا فَرَغَ من صلاتِه، وذكر الله، وهلَّله، وسبحه، وحمده، وكبَّره بالأذكار المشروعة عُقيبَ الصلاة - استُحِبَّ له أنْ يصلي على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعد ذلك، ويدعو بما شاء، ويكون دعاؤه عقيب هذه العبادة الثانية، لا لكونه دبر الصلاة، فإنَّ كلَّ مَن ذكر الله، وحَمِدَه، وأثنى عليه، وصلى على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - استحب له الدُّعاء عقيب ذلك؛ كما في حديث فضالة بن عبيد: «إذا صلى أحدكم، فليبدأ بحمد الله، والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم ليدعُ بما شاء» (قال الترمذي: حديث صحيح).
هذا؛ والله أعلم.