ما يجري في المنتديات من تحذير من أشخاص لديهم انحرافات

حامد بن عبد الله العلي

  • التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب -
السؤال: ما رأيكم فيما يجري في بعض المنتديات من تحذير من أشخاص لديهم انحرافات وأخطاء؟
الإجابة: نحن جزء من أمة تبحث عن خلاصها لا نمثل حزبًا ولسنا نتكلم عن حزب, فعندما نتكلم على مستوى وعي أمـة لا بد أن يكون فيها الخطأ والزلل والمقصر والضال والمنحرف, فلا يصح أن يكون همّنا إلغاء من ليس معنا فحسب، ومن لا يوافقنا في جميع أفكارنا.

لأن من يكون لديه خطأ صغير، قد يكون مفيداً في جانبه المشرق، لمن لديه خطأ كبير، فلندعه ينفع هذه الأمة، ولهذا روى المحدثون عن أهل البدع، واستفادوا مما أجادوا فيه من كتبهم ومؤلفاتهم، وشكروا من قام منهم بجهد مشكور في الأمة في جهاد الكلمة أو السيف.

ومن أكثر ما يعرقل مسير المشروع, فكـرة إلغاء الآخر لأنه لا يمكن لأحـد أن يستوعب الأمة كلها بمشروعه، نعم المشروع الإسلامي يستوعب الخلق بالهدى، ولا يحتاج إلى تكميل من خارجه من شك في ذلك فقد ضل ضلالا مبينا.
وإنما الكلام هنا عن مشاريع الأفراد والجماعات..

ولهذا قال صلى الله عليه وسلم ـ على سبيل المثال ـ في الحديث: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون" طائفة وليس كل الأمّة، لأنه لا يتسنّى أصـلا لكل الأمة، قدرا، ولم تكلف الأمة به كلها شرعًا، في كل الأحــوال.

والداعية الحكيم ينظر إلى حال المدعوّين، فإن كان نفعهم بداعية مــا أكثر من ضررهم، وخشي إن تكلم في أخطاءه أن ينفروا من خيره، فإنه يدعهم حتى يصلب عودهم ويهتدوا، ثم يزيّف لهم الفكرة الخاطئة دون أن يتطرق إلى الأشخاص.

فالمهم التركيز على الفكرة، والدعوة إلى الهدى، ونشره والتحذير من الضــلال وتزييفه..

وليس المقصود هو تنفير الناس من الأشخاص، فهذا يُقصد تبعًا لا أصلا؛ لأن هذا ـ أعني التركيز على التحذير من الأشخاص ـ قد يأتي بطريقة عكسية، فالناس مجبولون على التعصب لمن يحبون، فإن أردت أن توصل لهم الفكرة من طريق الطعن فيمن يحبونه، أغلقت عليهم قبوله من أول الطريق وهذا واضح ومجرب يعرفه من مارس الدعوة.

ويشهد على هذا: طريقـة العلماء السابقين في نقدهم للأفكار والتصورات فغالبها تتحدث عن الأفكار نفسها, وأما الأشخاص فلا يكادون يُذكرون ـ ما لم تقتض الحاجة ـ اقتداء بالقرآن والسنة.

وحتى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو من تصدى لأهل البدع، كان تركيزه على تزييف الأفكار وبيان الحق، ولا يكاد يتكلم على الأشخاص إلا نادرًا ومع ذلك ينصفهم، ولا يلغيهم إلغاء تامًا.

والخلاصة أن القواعد الشرعية التي نستهدي بها في هذا الباب هي:

أولا:
أن الحكمة ضالة المؤمن, فمن يأت بخير يقدمه للأمة لا نحول بينه وبين جهده الطيب, ولا نجحد فضله.

ثانيًا:
إنزال الناس منازلهم ولا نخلط بين من غالبه الإحسان ووقع في خطأ ومن هو بالعكس.

وفي موضوع الطعن في المجاهدين ـ على سبيل المثال ـ نقول:

من الناس من أخطأ وعارض الجهاد ضد المشروع الأمريكي, غير أن لديه مشروعًا إصلاحيًا، هو همّه, فهو لم يتصدَ لأهل الجهاد يحاربهم, إنما همّه هو مشروعه الإصلاحي, فهذا لا ينبغي أن يُشكّل مشكلة كبيرة، ولا بأس أن يُستفاد من جهوده, ولا نُحذر منه - شخصيًا -.

ولكن نحذّر من الفكرة الخاطئة فقط، وننشر في الساحة الفكرية تزييفها وهذا يكفي, لأن التحذير من الأشخاص غالبًا ما يأتي بنتيجة عكسية..

فلنركز على المهم ألا وهو:
تزييف الباطل ونشر الحق.

إنما المشكلة الكبرى تكمن فيمن جعل شغله الشاغل التطبيل لهذا مشروع الأمريكي الخطير على أمتنا ـ بل لم يمر عليها أخطر منه في تاريخها، كما ذكرت مرارًا ـ ويدعمه بإصدار الفتاوى التي كأنها بيانات من السفير الأمريكي, فمثل هذا ينطبق عليه ( أميطوا الأذى عن الطريق ) أقصد أذاه الفكري.

ومع ذلك فهذا كله يكون لمن يفهم مغزى الكلام حول تزييف الخطأ، وبيان الصواب, ولهذا فالناس البعيدون عن دينهم، لا معنى لإدخالهم في أمور هم أصلا لم يعُوا ما قبلها

والعاقل يقدم لكل طائفة ما ينفعها، الأهم فالأهم، وما لا يمكنهم إدراكه من المسائل الكبيرة، إلا بمقدمات، لا يدخلهم في جدال فيه، قبل أن يؤسس لهم تلك المقدمات، ولو استغرق ذلك مدة، فالقصد هو هداية الناس، فبأي طريق توصل الداعية إلى هدايتهم، وإيقاظهم، وكان طريقًا مشروعًا، فهو ما أمر الله به.

ما لم يقتض مقاما ما البلاغ العام وإقامة الحجة، حيث لا يجوز تأخيره، فذلك واجب على من أوجب عليه الشارع، ولكل مقام مقال.

والله أعلم.