تفصيل الثياب عند خيَّاطة نصرانية

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: أحكام النساء - فتاوى وأحكام -
السؤال:

أنا فتاة أُريد أن أعرف: هل يجوز أن أَذهب إلى خيَّاطة مسيحيَّة لتقوم بتفْصيل العبايات لي؟

علْمًا بأنَّها سوف تقوم بأخْذ مقاساتي وأنا أرتدي ملابسي، فهل يجوز ذلك؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

قللفقد اختلف أهل العلم في حدِّ عوْرة المسلمة مع المرأة الكافرة، فذهَبَ الجُمْهور من الحنفيَّة والمالكيَّة، وهو الأصحُّ عند الشَّافعيَّة، ورواية عند الحنابلة - إلى أنَّ المرأة الأجنبيَّة الكافِرة ترى من المسلمة وجهها وكفيها، وما يظهر منها في ثياب المِهْنَةِ؛ فلا يجوز أن تنظُر إلى بدنِها، ولا تتجرَّد المسلِمة بين يديها، وإنَّما تمكِّن الكافرة من النَّظر إلى وجْهِها وكفَّيها، ويحرم عليها تَمكينُها من النَّظر إلى ما سوى ذلك؛ لقوله تعالى: {وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور: 31]؛ أي: النِّساء المسلِمات، فلو جاز نظَر المرْأة الكافرة، لَما بقي للتَّخصيص فائدة.

وقد صحَّ عن عُمَر - رضي الله عنْه - الأمْر بمنْع الكتابيَّات من دخول الحمَّام مع المسلِمات، وقال ابن عبَّاس: "لا يحلُّ للمسلمة أن تَراها يهوديَّة أو نصرانيَّة؛ لئلاَّ تصِفَها لزوْجِها".

قال في "
تحفة المحتاج": "(والأصَحُّ تَحْرِيمُ نَظَرِ ذِمِّيَّةٍ)، وكُلِّ كَافِرَةٍ ولوْ حَرْبِيَّةً (إلَى) ما لا يَبْدُو في المِهْنَةِ مِن (مُسْلِمَةٍ) غَيْر سَيِّدَتِها ومَحْرَمِها؛ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ}؛ ولأنَّهَا قَدْ تَصِفُها لِكَافِرٍ يَفْتِنُها، وصَحَّ عَنْ عُمَرَ - رضِي اللَّهُ عَنْه - مَنْعُها مِن دُخُولِ حَمَّامٍ مَعَها، ودُخُولُ الذِّمِّيَّاتِ على أُمَّهاتِ المُؤْمِنينَ الوارِدُ في الأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ دَليلٌ لِما صَحَّحاهُ مِنْ حِلِّ نَظَرِها مِنْها ما يَبْدُو في المِهْنَةِ". اهـ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " قَوْله تَعالى: {
أَوْ نِسَائِهِنَّ}: احتراز عن النساء المشركات؛ فلا تكون المشركة قابلة للمسلمة، ولا تدخل معهن الحمام، لكن قد كن النسوة اليهوديات يدخلن على عائشة وغيرها، فيرين وجهها ويديها، بخلاف الرجال؛ فيكون هذا في الزينة الظاهرة في حق النساء الذميات، وليس للذميات أن يطلعن على الزينة الباطنة". اهـ.

والمذهَب عند الحنابلة: أنَّه لا فرق بين المسلِمة والذّمّيَّة، وهو وجْه عند الشَّافعيَّة، وقال الإمام أحمد في روايةٍ عنْه: "لا تنظر الكافِرة إلى الفرْج من المسلمة، ولا تكون قابلةً لها"، وفي رواية أُخرى عنْه: أنَّ المسلمة لا تكشف قناعَها عند الذّمّيَّة، ولا تدخل معها الحمَّام.

قال في
"الإنصاف": "وأمَّا الكافرة مع المسلمة، فالصَّحيح من المذْهب: أنَّ حُكْمَها حكم المسلمة مع المسلمة، جزَمَ به في "الوجيز" وغيره. وقدَّمه في "المغني" و"الشرح"، ونصره، وصحَّحه في "الكافي". وقدَّمه في "المحرَّر"، و "الفروع"، و "الفائق"، وغيرهم. وعنه: لا تنظر الكافِرة من المسلمة ما لا يظهر غالبًا. وعنْه: هي معها كالأجنبي".

وعلى الرَّاجح من قول الجُمهور يَجوز تفصيل الثياب عند خيَّاطة نصرانية، وأخذ قياس الثَّوب عندها، ما دامت ستفعل ذلك وأنتِ تلبسين ملابسك، لا تنكشف عورتك،،

والله أعلم.