الاقتراض من أجل الأهل
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: فقه المعاملات - فتاوى وأحكام -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
المشايخ الفُضلاء، أرجو أن تكونوا بخير.
أنا إمام مسجد، والابن الوحيد الذكَر لوالدي، وقد تَحَمَّلْتُ جزءًا منَ الدَّيْن عن والدي، وهو كبير في السِّنِّ يُقارب الثمانين.
وقد سَمعْتُ مِن أهل العلْم مَن ينهى ويُحَذِّر منَ الدِّيون، وأنا كثيرًا ما اضطرُّ للدَّيْن؛ مِنْ أجل أهلي، والحمد لله أقوم بالسداد في أسْرع وجْه ممكن، ودون تأخير، ولكن يبقى السؤال: هل فعلي هذا جائز أو لا؟
أفيدوني وفَّقكم الله.
علمًا بأنني موظّف في جِهة حكومية، ومتزوِّج ولديّ أطفال.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فجزاكَ الله خيرًا وأحسن إليك على تحمُّلك جُزءًا مِنْ دَيْن أبيك، وعلى الاستدانة من أجل أهلك، وهذا مِنْ عظيم البِرِّ الذي يوجب رضا الله تعالى، ولتعلم أن الله تعالى جواد كريم شَكُور، يُخْلِف على المُنْفِق، ويسد عنه دَيْنَه، وهذا هو السِّر في سُرعة سَداد تلك الدّيون وعدم التعثُّر فيها.
والقرْض في أصْلِه مباح؛ فقد اقترضَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ومات ودرعه مرهونة في أصوع شعير لأهله.
قال ابن قُدامة في "المغني": "والقرْض مندوب إليه في حقِّ المقرِض، مُباح للمقترض؛ لما روينا من الأحاديث، ولما روى أبو هريرة: أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «
»، وقال أبو الدَّرْداء: "لأن أقرض دينارَيْن ثم يردان ثم أقرضهما، أحب إليَّ مِنْ أن أَتَصَدَّق بهما"، ولأن فيه تفريجًا عن أخيه المسلم، فكان مندوبًا إليه كالصدَقة عليه، وليس بواجبٍ؛ قال أحمد: "لا إثم على من سُئِل القرْض فلم يقرض"؛ اهـ.ولكن الأفضل هو كتابة الدَّيْن، والإشهاد عليه؛ لتوثيق الحقُوق؛ حتى لا تكونَ عُرضة للضياع، وذلك على سبيل الاستحباب، فلا يأثم مَن ترَكه؛ قال أبو بكر بن العرَبي - رحمه الله - في "أحكام القرآن": "ولا خلاف بين فقهاء الأمصار: أن الأمر بالكتابة والإشهاد والرهن - المذكور جميعه في هذه الآية - ندب وإرشاد لنا إلى ما لنا فيه الحفْظ والصلاح، والاحتياط للدِّين والدنيا، وأن شيئًا منه غير واجب" اهـ.
وهذا كله إن كان اقتراضك ليس فيه ربا، أما إن كان بربا فلا يجوز لك ذلك؛ كما أوضحناه في فتاوى كثيرة؛ منها: "حكم القروض الربوية"، و"هل القرض يعتبر ربا أو لا؟"،،
والله أعلم.