أريد أن أنسى خطيبتي

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: قضايا الشباب - العلاقة بين الجنسين -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مشكلتي أني أحببتُ فتاةً في الجامعة لمدة سنة، ثم خطبتُها، واستمرت الخطبة سنة أخرى، وكانتْ بيننا مشكلات كثيرةٌ، وهذه المشكلات كانتْ نابعةً مِن عنادها؛ إذ هي مُعاندةٌ، وأنا عصبي، فلما زادت المشكلاتُ قرَّرت الانفِصال، وحاولتُ قدْر المستطاع أن أردَّها عن قرارها، لكن لا فائدة؛ أعطتْني خاتمي في الشارع، وقالت لي: مع السلامة!

أخذتُ الخاتم، وبكيتُ يومها أمامها، والعجيبُ في هذه اللحظة هو صمودها وقوتها، التي كانتْ غريبةً جدًّا عليَّ، ثم فوجئتُ بأنها غيَّرَتْ لبسَها من (العبايات) الواسعة، إلى (البديهات) الضيقة جدًّا، وبدأتْ تتكلم مع الشباب؛ في العمل والتليفونات والإنترنت، وتتقول علي بكلام غير حقيقي!

أتتني باكيةً وقالتْ لي: كنتُ مخطئة وسامحني، فسامحتُها، ثم أتتني مرة أخرى وقالتْ: لا يصلح أحدنا للآخر ولا بد من الافتراق!

المشكلة أنني لا أستطيع أن أتخلَّصَ منها، أو أن أمحوَها مِن قلبي، ولا أعرف كيف أنساها، ولا أستطيع أن أفهمَ ما الأمر!

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فلا تحزن - أيُّها الابنُ الكريمُ - على فَوَاتِ تلك الفتاةِ؛ فالنساءُ سواها كثيرٌ، وقد اختار الله لك الأحسن والأكمل؛ فَقَدَرُهُ كُلُّه خَيْرٌ؛ {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

فما ذكرتَه بتفاصيله الطويلةِ هو قصةٌ مكرَّرَةٌ من الحُبِّ المُحَرَّمِ بين الجنسين، والذي غالبًا ما ينتهي بمثل ما حَدَثَ معك، ولكن - أحيانًا - يكون الترك من المرأة، وأحيانًا من الرجل، وراجع على موقعنا استشارة: "المفاضلة بين الزواج عن حب والزواج التقليدي".

فاحْمَدِ الله أن حَدَثَ ذلك معك قبل التَّوَرُّطِ في الزَّوَاجِ، وانظر لفتاتِكَ بعين العقل، وليس بعين الحُبِّ التي تُعمِي وتُصِمُّ، وسَتَرَى صفات فَتَاتِكَ الحقيقيةَ، والتي كانت سببًا في تركها لك، وترك جُزْء كَبِيرٍ معك من دِينِهَا وعِفَّتِهَا، فاستبدلت بالعباءة البدي، والملابس الضيقة، وغالب ظني أن خطيبتك قد ارْتَبَطَتْ بِغَيْرِكَ، وهذا ما يُفَسِّرُ لَكَ تِلْكَ النُّفرةَ المُفَاجِئَةَ.

فَتَمَثَّلْ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ - رضي الله عنه -:

إِذَا  المَرءُ  لا   يَرْعَاكَ   إِلَّا   تَكَلُّفَا *** فَدَعْهُ  وَلا   تُكْثِرْ   عَلَيْهِ   التَأَسُّفَا
فَفِي النَّاسِ أَبْدَالٌ وَفِي التَّرْكِ  رَاحَةٌ *** وَفِي القَلْبِ صَبْرٌ لِلْحَبِيبِ وَلَوْ  جَفَا
فَمَا  كُلُّ  مَنْ  تَهْوَاهُ  يَهْوَاكَ   قَلبُهُ *** وَلَا كُلُّ مَنْ  صَافَيْتَهُ  لَكَ  قَدْ  صَفَا
إِذَا  لَم  يَكُنْ  صَفْوُ  الوِدَادِ  طَبِيعَةً ***  فَلَا  خَيْرَ  فِي  وُدٍّ   يَجِيءُ   تَكَلُّفَا
وَلَا  خَيْرَ  فِي  خِلٍّ  يَخُونُ   خَلِيلَهُ *** وَيَلْقَاهُ   مِنْ   بَعْدِ   المَوَدَّةِ   بِالجَفَا
وَيُنكِرُ  عَيْشًا   قَدْ   تَقَادَمَ   عَهْدُهُ *** وَيُظْهِرُ سِرًّا كَانَ  بِالأَمْسِ  قَدْ  خَفَا
سَلَامٌ عَلَى الدُّنْيَا إِذَا  لَم  يَكُنْ  بِهَا *** صَدِيقٌ صَدُوقٌ صَادِقُ الوَعْدِ مُنْصِفَا

وقال أيضًا:

زِنْ مَنْ وَزَنْكَ بِمَا وَزَنْ *** كَ وَمَا وَزَنْكَ  بِهِ  فَزِنْهُ
مَنْ جَا إِلَيْكَ فَرُحْ  إِلَيْ *** هِ وَمَنْ جَفَاكَ فَصُدَّ عَنْهُ
مَنْ  ظَنَّ   أَنَّكَ   دُونَهُ *** فَاتْرُكْ هَوَاهُ إِذَنْ  وَهِنْهُ

هذا، ومِن أعظم ما يعينك على نسيانها غير ما ذكرنا:

• الحرصُ على طاعَةِ اللهِ، وتجنُّب مخالَفَةِ أمرِهِ؛ رجاءَ أن يُعَوِّضَكَ اللهُ بفضلِهِ مَن هي خيرٌ منها؛ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

• اشغلْ نفسك بعد طاعة الله بالمفيد من المباحات، وعوِّضْ ما فاتك من ضياع أوقات في الاختلاط المحرم، وقد يكون ما أنت فيه من ألَمٍ بشؤمه وآثاره، وهذا يبين السبب في أن كثيرًا من الذين وَقَعُوا في العَلَاقات العاطفية التي لا تَحْتَكِمُ إلى ضوابطِ الشريعةِ، حُرِمُوا من الوَفَاءِ، وَتَبَدَّلَ الحبُّ إلى شقاءٍ، والوصالُ إلى عداوةٍ وشحناء.

• ابحثْ عن زوجةٍ صالحةٍ، واستعنْ بالله في تحصيلها؛ فإن هذا ينسيك - بإذن الله - هذه الفتاةَ، ويجعَلُكَ تَشْعُرُ بأنك قد بدأتَ طريقًا آخَرَ غيرَ السابِقِ.

• أكثرْ مِن الدعاء المأثور: «يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي على دِينِكَ»، «يا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا على طَاعَتِكَ»، «اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ ابْنُ عَبْدِكَ ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجَلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي»، «اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاواتِ والأرْضِ عَالِمَ الغَيْبِ والشَّهَادَةِ؛ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إِلاَّ أنْتَ، أعُوذُ بِكَ مِنْ شَّرِّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ وَأَن أقْتَرِف على نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ».

• ابتعدْ عن كل ما يُذكِّرُك بها، وَتَخَلَّصْ مِن أرقام هاتفها، وبريدها الإلكتروني، وغير ذلك، وابتعدْ عن الأماكن والمواقف المرتبطة بها، ولا تتابعْ أخبارها، وخُذ نفسَكَ بالشِّدَّة في تحقيق ذلك.

• من أنْفَعِ الدَّواء وأرجى الأسباب صِدْقُ اللُّجوءِ إلى مَنْ يُجيبُ المُضْطَرَّ إذا دعاه ويكشف السوء، وأن تطرح نفسك بين يديْهِ على بابه، مستغيثًا به متضرِّعًا متذلِّلًا مستكينًا؛ فمتَى وُفِّقْتَ لذلك فَقَدْ قَرَعَت بابَ التوفيق؛ قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفُّهُ اللهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله، وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» (رواهُ البُخاريُّ ومسلم).

• أشعر نفسك اليَأْسَ من تلك الفتاة؛ فإنَّ النَّفْسَ متَى يَئِسَتْ من الشيء، استراحتْ منه، ولم تلتفتْ إليه؛ كما قال ابن القيم.

وقال - أيضًا - في معرض كلامه على أدوية العشق: "فإن لم يَزُلْ مرضُ العِشْقِ مع اليأس، فقدِ انحرف الطبع انحرافًا شديدًا، فينتَقِلُ إلى علاجٍ آخَر، وهو علاجُ عَقْلِه؛ بأن يعلم بأنَّ تعلُّق القَلْبِ بِما لا مَطْمَعَ فِي حُصولِه نوعٌ من الجُنُون، وصاحِبُه بِمَنزلةِ مَن يعشَقُ الشَّمس، ورُوحُه متعلِّقة بالصعود إليها، والدَّوران معها في فَلَكِها، وهذا معدودٌ عند جَميع العقلاء في زُمْرَةِ المجانين.

فإن لم تَقْبَلْ نفسُه هذا الدواء، ولم تُطاوعه لهذه المعالجة، فلينظُرْ ما تَجْلِبُ عليه هذه الشهوة من مفاسد عاجلَتِه، وما تَمنَعُه من مصالِحها، فإنَّها أجلبُ شَيْءٍ لِمفاسِدِ الدُّنيا، وأعظمُ شَيْءٍ تَعطيلاً لِمصالِحها، فإنَّها تحول بين العبد وبين رُشْدِه الذي هو مِلَاكُ أمْرِه، وقِوَامُ مصالِحِهِ.

- فإن لم تقبَلْ نفسُه هذا الدَّواءَ، فليتذكَّرْ قبائِحَ المحبوب، وما يدعوه إلى النفرة عنه، فإنَّه إن طَلَبَها وتأمَّلها، وَجَدَهَا أضعافَ مَحاسنِه الَّتي تدعو إلى حُبِّه، وليسأل جيرانَه عمَّا خفِيَ عليه منها، فإنَّ المحاسن كما هي داعيةُ الحبِّ والإرادَةِ، فالمساوئُ داعيةُ البُغْضِ والنَّفرة، فليوازِنْ بين الداعِيَيْنِ، وليُحبَّ أسبقَهُما وأقربَهُما منه بابًا، ولا يكن مِمَّن غرَّه لونُ جَمالٍ على جسمِ أبرصَ مجذومٍ، وليجاوزْ بصرُه حُسنَ الصورة إلى قبح الفعل، وليعْبُرْ من حُسْنِ المنظر والجسم إلى قبح المخبَرِ والقلب". اهـ.

وراجع على موقعنا: "ما معنى قول الشيخ؟".

هذا؛ وأسألُ اللهَ أن يَصْرِفَ عَنكَ السُّوءَ والفَحْشَاءَ، وأن يُلْهِمَكَ رُشْدَكَ ويُعِيذَكَ من شَرِّ نَفْسِكَ، آمين.