حكم مشاهدة الجنس مع الحيوانات

خالد عبد المنعم الرفاعي

  • التصنيفات: التقوى وحب الله - النهي عن البدع والمنكرات -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

أنا امرأةٌ مُتزوِّجة منذ 23 سنة، مُلتزمة، وأحاول أن أجعلَ أسرتي مُلتزمة، مُشْكلتي تكمُن في زوجي، فهو مُلتزم، ولكن تغلبه نفسُه هذه الأيام، فقاطَعَني وغضب منِّي؛ لأنِّي أدخلْتُ برنامجًا على الكمبيوتر ضد الإباحيَّات من أجْل أطفالي، فلدي طفلٌ صغيرٌ عنده 8 سنوات، وأخاف عليه مِن مُشاهَدة المحَرَّمات على الإنترنت.

طبعًا زوجي يحبٌّ المواقِع الإباحيَّة، فخاصمتُه كثيرًا، وأخبرته أن هذا حرام، فبدأ يدخل إلى هذه المواقع ليُشاهدَ مُمارسة الجنس مع الحيوانات، وعندما أُواجهه أن هذا حرام، يقول لي: هل لديك دليلٌ؟!

طبعًا هذا البرنامج - ضد الإباحيَّات - الذي وضَعْتُه على جهاز الكمبيوتر لا يسمح له بأنْ يدخلَ على المواقع الجنسيَّة، فقال لي: ليس لكِ الحق أن تمنعيني مما أريد!

وأنا والله أخاف على أولادي، وأريد أن يكونَ بَيْتي نظِيفًا منَ الشياطين، فهل أنا مُخطئة فعلاً لأنَّه لا يُكَلمني، أرجو الإجابة.

وجزاكم الله خيرًا

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آلِه وصَحْبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فجزاكِ الله خير الجزاء على حِرْصك الشديد في اجتناب ما حرَّم الله تعالى، والله نسأل أن يزيدكِ حرصًا، وأن يُوَفقكِ لما يُحبه ويرضاه، وأن يهديَ زوجك وأبناءكِ.

واعلمي أن ما فعلتِه إنما هو من باب النَّهْي عن المنكر، وقطع أسباب الشر، وأنتِ مأجورة عليه - إن شاء الله - فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن رأى منكم منكرًا فلْيُغَيره بيده، فإن لَم يستطعْ فَبِلسانه، فإن لَم يستطع فبقلبه»؛ رواه مسلم.

وفي "الصحيحَيْن" عن عبدالله بن عمر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ الإمام راع، ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، ومسؤولة عن رعيتها» الحديث.

فهذا الحديث يوجب على كل مَن رأى منكرًا أن يغيره حسب استطاعته، فمَن استطاع أن يغيِّره بيده فهو الواجب، فإن عجز عن تغييره باليد فبلسانه، فإن عجز فبقلبه.

ولا ريب أن مُشاهدة الإباحيات أمرٌ مُحَرَّم شرعًا، وإن كانتْ من الحيوانات؛ لأنه مهيِّج للشهوة، وبعض الفُسَّاق لا يمتنع من فعل المحرَّم حتى مع الحيوانات، وهو نوع شذوذ دخل على المسلمين من مُطالعة ثقافات الغرْب الكافر، وقد سبق بيان ذلك في فتوى: "حكم مشاهدة الأفلام الإباحيَّة" فلتراجع.

وننصح الأخت السائلة: أن تتحلى في أمرها بالمعروف، ونَهْيها عن المنكر، بالرِّفق واللين والحكمة، مع السَّعي في تكميل النفس بفِعْل الخير، وترْك الشر، ثم الصبر لما قد تُبْتَلى به من جرَّاء هذا؛ كما قال تعالى: {وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17].

قال النووي في "شرح مسلم" (1 / 131):

"ثم إنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس سقط الحرَج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثِم كلُّ مَن تَمَكَّنَ منه، بلا عُذْر ولا خوف.

ثم إنه قد يَتَعَيَّن كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو، أو لا يَتَمَكَّن مِن إزالته إلا هو، وكَمَنْ يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر، أو تقصير في المعروف؛ قال العلماء - رضي الله عنهم -: ولا يسْقُط عن المكلَّف الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعلُه، فإنَّ الذِّكرى تنفع المؤمنين...

واعلم أن هذا الباب - أعني: باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر - قد ضُيِّع أكْثره مِنْ أزمانٍ مُتطاوِلة، ولَم يبقَ منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدًّا، وهو باب عظيم، به قوام الأمر وملاكه.

وإذا كثر، عمَّ العقاب الصالحَ والطالح، وإذا لم يأخذوا على يد الظالم، أَوْشَك أن يعمهم الله تعالى بعقابه؛ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، فينبغي لطالب الآخرة، والساعي في تحصيل رضا الله - عز وجلَّ - أن يعتنيَ بهذا الباب؛ فإنَّ نفعَه عظيم، لا سيما وقد ذهب معظمُه، ويخلص نيته، ولا يهادِن مَن يُنكر عليه لارتفاع مرْتبته؛ فإنَّ الله تعالى قال: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} [الحج: 40]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101]، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، وقال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2، 3].

واعلمْ أنَّ الأجر على قدر النصَب، ولا يتركه أيضًا لصداقته ومودَّته ومُداهنته، وطلب الوجاهة عنده، ودوام المنزلة لديه؛ فإن صداقته وموَدَّته توجب له حُرمة وحقًّا، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته، ويُنقذه مِنْ مَضارِّها.

وصديق الإنسان ومُحبُّه هو مَنْ سَعى في عمارة آخرته، وإن أدَّى ذلك إلى نقصٍ في دُنْياه، وعدوّه مَنْ يسعى في ذهاب، أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك صورة نفْع في دنياه، وإنما كان إبليس عدوًّا لنا لهذا، وكانت الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - أولياء للمؤمنين؛ لسَعْيهم في مصالح آخرتهم، وهدايتهم إليها، ونسأل الله الكريم توفيقنا وأحبابنا وسائر المسلمين لمرضاته، وأن يعمَّنا بجُوده ورحمته". اهـ.

والله أعلم.