إظهار الأعمال الصالحة
خالد عبد المنعم الرفاعي
- التصنيفات: الشرك وأنواعه - تزكية النفس - الحث على الطاعات -
هل يجوز لي أو لأي أحد مسلم إذا عمل عملًا خالصًا لوجهه – سبحانه - وصالحًا - كذلك - أن يذكره - لدى الآخرين - إذا سألوه عن ذلك؟
وهل إذا ذكرته لأي أحد، فهل يحبط العمل؟ طبعًا لا من أجل السمعة، ولا غير ذلك؛ لأن كل هذا منهي عنه.
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:
فإن إظهار العبد أعماله الصالحة لا يعتبر رياء، إذا كان عمله خالصًا لله - تعالى - دون شيء آخر من تصنع للناس، أو قيام منزلته عندهم حتى يمدحوه، ويعظموه، ويقضوا حوائجه، أو ما شابه، سوى التقرب إلى الله - تعالى.
قال ابن قدامة - في "مختصر منهاج القاصدين" (ص: 220) -: "وشوائب الرياء الخفي كثيرة، لا تنحصر، ومتى أدرك الإنسان من نفسه تفرقة بين أن يُطَّلَع على عبادته، أو لا يطلع، ففيه شعبة من الرياء، ولكن ليس كل شوب محبطاً للأجر، ومفسداً للعمل، بل فيه تفصيل:
فإن قيل: فما ترى أحدًا ينفك عن السرور إذا عُرِفت طاعته، فهل جميع ذلك مذموم؟ فالجواب: أن السرور ينقسم إلى محمود ومذموم، فالمحمود: أن يكون قصده إخفاء الطاعة، والإخلاص لله، ولكن لما اطلع عليه الخلق، علم أن الله أطلعهم، وأظهر الجميل من أحواله، فيُسَرُّ بحسن صنع الله، ونظره له، ولطفه به، حيث كان يستر الطاعة والمعصية، فأظهر الله عليه الطاعة، وستر عليه المعصية، ولا لطف أعظم من ستر القبيح، وإظهار الجميل، فيكون فرحه بذلك، لا بحمد الناس وقيام المنزلة في قلوبهم، أو يستدل بإظهار الله الجميل، وستر القبيح في الدنيا، أنه كذلك يفعل به في الآخرة.
فَأَمَّا إن كان فرحه باطلاع الناس عليه؛ لقيام منزلته عندهم حتى يمدحوه، ويعظموه، ويقضوا حوائجه، فهذا مكروه مذموم، فإن قيل: فما وجه حديث أبي هريرة قال رجل: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل فيسره، فإذا اطلع عليه أعجبه؟ فقال: « »؛ رواه الترمذي؟
فالجواب: أن الحديث ضعيف، وفسره بعض أهل العلم بأن معناه أن يعجبه ثناء الناس عليه بالخير؛ لقوله - عليه الصلاة والسلام -: « »، وقد روى مسلم عن أبي ذر، قيل: يا رسول الله، أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ فقال: « ».
فَأَمَّا إذا أعجبه؛ ليعلم الناس فيه الخير، ويكرموه عليه، فهذا رياء". انتهى.
وقد استحب أهل العلم إظهار الأعمال الصالحة؛ للتحريض عليها، وحث الناس على فعلها، والاقتداء بصاحبها، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « »؛ رواه مسلم.
قال - في "بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية" (3 / 110) -: "وبالجملة: الإخفاءُ في العبادات التي لا يلزم إظهارُها، ولم يسنَّ، كما في بعض النسخ، (أفضل من الإظهار)؛ لخلوه عن احتمال الرياء، ويكون معاملة خاصة بينه وبين مولاه، (إلا عند التيقن)، فلا يفيد الظن - فضلًا عن الشك - (بقصد التعليم) لمن لا يعلم، (والاقتداءُ) يشمل التعليم لمن يعلم، ولكن لا يعمل، (فالإظهار - حينئذ - أفضل)؛ لأنه عبادة متعدية، وفيه إيقاظ النائمين، وإرشاد الغافلين، وترغيب في الخير، فلا ينبغي أن يُسَدَّ بابُ إظهار الأعمال، والطباعُ مجبولةٌ على التشبه والاقتداء". انتهى.
قال - في "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (1 / 118) -:
"وبما تقرر: عُلِمَ أن في كتم العمل فائدةَ الإخلاص، والنجاةَ من الرياء، وفي إظهاره فائدةَ الاقتداء، وترغيبَ الناس في الخير، ولكن فيه آفة الرياء، وقد أثنى الله على القسمين فقال - عز قائلًا -: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271]، لكنه مدح الإسرار؛ لسلامته من تلك الآفة العظيمة التي قل من يسلم منها.
وقد يُمدَح الإظهار فيما يتعذر الإسرار فيه، كالغزو، والحج، والجمعة، والجماعة، فالإظهارُ المبادرةُ إليه، وإظهارُ الرغبة فيه؛ للتحريض، بشرط أن لا يكون فيه شائبة رياء.
والحاصل: أنه متى خَلَصَ العملُ من تلك الشوائب، ولم يكن في إظهاره إيذاء لأحد، فإن كان فيه حملٌ للناس على الاقتداء والتأسي به في فعله ذلك الخير، والمبادرة إليه؛ لكونه من العلماء، أو الصلحاء الذين تبادر الكافة إلى الاقتداء بهم - فالإظهار أفضل؛ لأنه مقام الأنبياء وَوُرَّاثُهُمْ، ولا يخصون إلا بالأكمل، ولأن نفعه متعد، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: « »، وإن اختل شرط من ذلك، فالإسرار أفضل. وعلى هذا التفصيل: يُحْمَلُ إطلاقُ من أطلق أفضلية الإسرار". اهـ.