ضمان الصبي لما أتلفه
عبد الكريم بن عبد الله الخضير
من برنامج فتاوى نور على الدرب، الحلقة الثانية والسبعون 9/3/1433هـ
- التصنيفات: فقه الجنايات والحدود -
إذا حصل من الصبي إتلاف مال الغير، فكيف يكون الضمان؟
الأصل أن الصبي والمجنون والنائم رفع عنهم القلم؛ لحديث: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» [أبو داود: 4403]، والمرفوع هنا الإثم، أما الآثار المترتبة على الإتلاف من حقوق الآدميين فلا شك أنها مضمونة، وليس هذا من باب الحكم التكليفي، بل هو من باب الحكم الوضعي، ولو كان من باب الحكم التكليفي لقلنا: إنه غير مكلف؛ لأن التكليف إنما يكون بعد الاحتلام، لكنه من باب الحكم الوضعي، من باب ربط الأسباب بالمسببات، فإذا أتلف يلزمه الضمان.
يقول ابن عبد البر في (الاستذكار): (قال مالك: الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا قود بين الصبيان، وأن عمدهم خطأ ما لم تجب عليهم الحدود ويبلغوا الحلم، وإن قَتَلَ الصبي لا يكون إلا خطأً، وذلك لو أن صبيًا وكبيرًا قتلا رجلاً حرًا خطأ كان على عاقلة كل واحدة منهما نصف الدية. قال أبو عمر: أما قوله: "لا قود بين الصبيان" فهو أمر مجتمع عليه لا خلاف فيه بين العلماء).
لأن من قَتْل الخطأ عمد الصبي والمجنون، بخلاف الكبير فإن عمده عمد، أما الصغير الذي لم يكلف والمجنون الذي لا يعقل فعمدهما مثل الخطأ بالنسبة للعاقل المكلف، ومعلوم أن العاقل المكلف إذا قتل خطأً فإن عليه الدية والكفارة، وقل مثل هذا بالنسبة للصبي والمجنون.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في (منهاج السنة): (قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «رُفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ» إنما يقتضي رفع الإثم لا رفع الضمان باتفاق المسلمين، فلو أتلفوا نفسًا أو مالا ضمنوه، وأما رفع العقوبة إذا سرق أحدهما أو زنى أو قطع الطريق فهذا علم بدليل منفصل لا بمجرد هذا الحديث)، إلى آخر كلامه -رحمه الله-.
ويقول ابن القيم في (إعلام الموقعين): (ربْط الضمان بالإتلاف من باب ربط الأحكام بأسبابها -يعني أنه كما ذكرنا من باب الحكم الوضعي- وهو مقتضى العدل الذي لا تتم المصلحة إلا به، كما أوجب على القاتل خطأً ديةَ القتيل، ولذلك لا يُعتمد التكليف - فالمكلف إذا قتل خطأً فهو لم يتعمد القتل ولم يقصده، لكن لا بد من مطالبته بالدية والكفارة؛ لئلا يضيع دم المسلم المقتول هدَرًا- فيضمن الصبيُّ والمجنونُ والنائمُ ما أتلفوه من الأموال، وهذا من الشرائع العامة التي لا تتم مصالح الأمة إلا بها، فلو لم يضمنوا جنايات أيديهم لأتلف بعضهم أموال بعض، وادعى الخطأ وعدم القصد، وهذا بخلاف أحكام الإثم والعقوبات فإنها تابعة للمخالفة وكسب العبد ومعصيته، ففرقت الشريعةُ فيها بين العامد والمخطئ) إلى آخر كلامه -رحمه الله-.