هل قص الأظفار يوم الجمعة مستحب؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

شخص يسأل عن مَشروعية قَصِّ الأظفار يوم الجمعة، لأنه سمع مِن بعض الكبار أنَّ ذلك غير مستحب؟

  • التصنيفات: فقه الملبس والزينة والترفيه -
السؤال:

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يقول لنا الكبار: إن قص الأظفار يوم الجمعة غير مستحب، فهل هذا صحيح؟ وهل قص الأظفار ورميها يُعد ذنبًا؟ وهل يجب أن أحتفظ بتلك الأظفار وأخبئها؟ وهل صحيح أن الذي يرمي أظفاره في النفايات سيقوم بتجميعها يوم القيامة؟

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعدُ:

فليس في الشريعة الإسلاميةِ ما يَدُلُّ على استحباب قص الأظفار يوم الجمعة، وليس في ذلك حديثٌ صحيحٌ يَدُلُّ على هذا المعنى.

وقد وردتْ أحاديثُ بهذا المعنى، إلا أنها لم تَرْقَ إلى درجة الاحتجاج، بل لَم يخرجها الأئمةُ من أصحاب الكُتُب المعتَمَدة؛ كأصحاب السنن والمسانيد، من ذلك حديث: «مَن قلَّم أظفاره يوم الجمعة، وُقِيَ من السوء إلى مثلها»؛ ذكره الشَّعراني في كتابه "كشْف الغُمة" (ج 1 ص 180)، وقال الزُّرقاني في "شرح المواهب" (ج 4 ص 215): "إنه حديثٌ ضعيفٌ؛ رواه الطبراني في الأوسط، والبَزَّار عن أبي هريرة".

وروى البغَوي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ أظفاره وشاربه كل جمعةٍ، ونقل السَّفَّاريني في كتابه "غذاء الألباب" (ج 1 ص 381) عن "الآداب الكبرى" حديثًا رواه ابن بطة بإسناده: «مَن قَصَّ أظفاره يوم الجمعة دخل فيه شفاءٌ، وخرج منه داءٌ»، وذكر الغزالي في كتابه "الإحياء" (ج 1 ص 162) أنه من قول ابن مسعودٍ بلفظ: «مَن قلَّم أظفاره يوم الجمعة، أخرج الله عز وجل منه داءً، وأدخل فيه شفاءً».

وهذه الأحاديث مُنْكَرةٌ أو موضوعةٌ؛ كما قال الحافظ ابن رجب في "فتح الباري" (5/359): "وفي الباب أيضًا من حديث ابن عباسٍ وعائشة وأنسٍ أحاديثُ مرفوعةٌ، ولا تَصِحُّ أسانيدها". انتهى.

وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/346): "ولم يَثبُتْ أيضًا في استحباب قصِّ الظفر يوم الخميس حديثٌ، وقد أخرجه جعفرٌ المُستغفري بسندٍ مجهولٍ، ورويناه في مسلسلات التَّيْمي من طريقه، وأقرب ما وقفتُ عليه في ذلك ما أخرجه البيهقيُّ مِن مُرسل أبي جعفرٍ الباقر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِبُّ أن يأخذَ من أظفاره وشاربه يوم الجمعة، وله شاهدٌ موصولٌ عن أبي هريرة، لكن سَنَده ضعيفٌ؛ أخرجه البيهقي أيضًا في الشُّعَب، وسُئِل أحمدُ عنه فقال: يُسَنُّ في يوم الجمعة قبل الزوال، وعنه يوم الخميس، وعنه يتخيَّرُ، وهذا هو المُعْتَمَدُ؛ أنه يُستحب كيفما احتاج إليه، وأما ما أخرج مسلمٌ من حديث أنسٍ: «وُقِّت لنا في قَصِّ الشارب وتقليم الأظفار ونتْف الإبط وحلْق العانة ألا يُتْرَك أكثر من أربعين يومًا»؛ كذا وُقِّتَ فيه على البناء للمجهول، وأخرجه أصحاب السُّنَن بلفظ: وَقَّتَ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وأشار العُقيلي إلى أن جعفر بن سليمان الضُّبعي تفرَّد به، وفي حِفْظِه شيءٌ، وصرَّح ابن عبد البر بذلك، فقال: لم يَرْوِه غيرُه، وليس بحجةٍ، وتُعُقِّبَ بأنَّ أبا داود والترمذي أخرجاه من رواية صَدَقة بن موسى عن ثابتٍ، وصَدَقَةُ بن موسى - وإن كان فيه مقالٌ - لكن تَبَيَّنَ أن جعفرًا لم يَنْفَرِدْ به، وقد أخرج ابن ماجَهْ نحوَهُ من طريق عليِّ بن زيد بن جُدعان، عن أنسٍ، وفي علي أيضًا ضَعْفٌ، وأخرجه ابن عَدِيٍّ مِن وجهٍ ثالثٍ من جهة عبدالله بن عمران - شيخٌ مصري - عن ثابتٍ، عن أنسٍ، لكن أتى فيه بألفاظٍ مُسْتَغْرَبةٍ، قال: أن يَحْلِقَ الرجلُ عانته كل أربعين يومًا، وأن ينتفَ إبطه كلما طلع، ولا يدَع شاربيه يَطُولان، وأن يُقَلِّمَ أظفاره من الجمعة إلى الجمعة، وعبدالله والراوي عنه مَجْهولان.

قال القرطبي في المُفْهِم: ذِكْرُ الأربعين تحديدٌ لأكثر المدة، ولا يمنع تفقُّد ذلك من الجمعة إلى الجمعة، والضابطُ في ذلك الاحتياجُ، وكذا قال النوويُّ: المختار أن ذلك كله يُضبط بالحاجة، وقال في شرح المُهَذَّب: ينبغي أن يختلفَ ذلك باختلاف الأحوال، والأشخاص، والضابطُ الحاجة في هذا، وفي جميع الخِصال المذكورة.

قُلت: لكن لا يُمنع من التفقُّد يوم الجمعة، فإنَّ المبالَغة في التنظُّف فيه مشروعٌ؛ والله أعلم". انتهى.

وكذلك الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير": (2/170)، والشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة": (حديث رقم/1112، 1816، 3239).

فإن قيل: النظافةُ مَطلوبةٌ لصلاة الجمعة، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغُسل يوم الجمعة، مما يَدُلُّ على مشروعية النظافة في الجسم والثياب، ومن ذلك قصُّ الأظفار.

فالجوابُ: أنه لَم يصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيءٌ في تحديد يوم الجمعة لقَصِّ الأظفار، لا مِن قوله ولا مِن فِعْلِه صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ السخاويُّ في "المقاصِد الحسنة" (ص / 422): "لم يثبتْ في كيفيته ولا في تعيين يومٍ له - يعني: قص الأظافر عن النبي صلى الله عليه وسلم - شيءٌ". انتهى.

هذا، وقد استَحب تقليمَ الأظفار كل جمعةٍ الشافعيةُ والحنابلةُ؛ قال الإمام النوويُّ في "المجموع" (1/340) : "وقد نصَّ الشافعي والأصحاب - رحمهم الله - على أنه يستحب تقليم الأظفار والأخذ من هذه الشعور يوم الجمعة؛ والله أعلم". انتهى.

وقال في "كشَّاف القناع" (1/76): "ويكون ذلك - أي: حف الشارب وتقليم الأظافر، وكذا الاستحداد، ونتف الإبط - يوم الجمعة قبل الصلاة، وقيل: يوم الخميس، وقيل: يخير". انتهى.

وعمدةُ مذهب الحنابلة والشافعية هو ما ورد عن بعض الصحابة والتابعين من اعتياد قصِّ الأظفار يوم الجمعة؛ روى الإمام البيهقيُّ بسنده في "السُّنَن الكبرى" (3/244) عن نافعٍ: "أن عبدالله بن عمر كان يقلم أظفاره ويقص شاربه في كل جمعةٍ".

وروى ابنُ أبي شَيْبة في "المُصنَّف" (2/65) عن إبراهيم قال: "ينقي الرجل أظفاره في كل جمعةٍ". انتهى.

وروى عبدالرَّزَّاق في "المصنَّف" (3/197) عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: "مَن قلم أظفاره يوم الجمعة، وقص شاربه، واستن، فقد استكمل الجمعة". انتهى.

ونقل الحافظُ ابن رجبٍ في "فتح الباري" (5/359) عن راشد بن سعدٍ قال: "كان أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: مَن اغتسل يوم الجمعة، واستاك، وقلم أظفاره، فقد أوجب"؛ خرجه حميد بن زنجويه.

أما الأظفارُ أو الشعر فيجوز إلقاؤها في القمامة، أو البَلاّعة، أو دفنها، ولا يصحُّ حديث في وجوب دفنِها أو جمعها، ولكن إن خشي الشخصُ مِن وقوعها في أيدي السحرة، فإنه يتحفظ، ويَدفنها بعيدًا؛ حذر الوقوع في يد هؤلاء.

وقد ذهب جمهورُ الفقهاء إلى أنه يستحبُّ أن يدفنَ ما يزيله الشخص من ظفرٍ، وشعرٍ، ودمٍ؛ لما روي عن ميل بنت مِشرحٍ الأشْعريَّة قالتْ: رأيتُ أبي يقلم أظفاره ويدفنها، ويقول: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك»؛ رواه الخَلاَّل.

وقال أحمد رحمه الله: "كان ابن عمر يفعله".

قال الحافظ ابن حجر - وهو يتحدث عن دفن الأظفار والشعر: "وقد استحب أصحابنا دفنَها؛ لكونها أجزاء من الآدمي"؛ ونقل ذلك عن ابن عمر؛ وهو متفقٌ عليه بين المذاهب.

وفقنا الله وإياك لاتباع سُنة رسول الله.