كنت أستنمي ولم أكن أعلم أنها تفطر

خالد عبد المنعم الرفاعي

تسأل: لم أكن أعلم أنه يجب الغسل منه أبداً، حتى يومنا هذا لم أغتسل بنية رفع جنابة الاستمناء، وكذلك لا أتذكر أبدًا هل قمت بفعل الاستنماء في رمضان أم لا؟ فماذا أفعل؟

  • التصنيفات: فقه العبادات - فقه الصيام -
السؤال:

سلام عليكم يا شيخ،

عمري الآن ٢٣ عامًا وكنت وأنا صغيرة أستمني، وكنت أعلم أنه عيب وحرام طالما أنه في الخفاء، ولكن ولم أكن أعلم أنه يجب الغسل منه أبداً، حتى يومنا هذا لم أغتسل بنية رفع جنابة الاستمناء -ولكني طبعًا اغتسلت برفع جنابة قبل ذلك- لكن لم أكن أنويه لأنه لم يخطر على بالي، واكتشفت البارحة المأساة لما قرأت..

وشيء آخر يا شيخنا: والله لم أكن أعلم أنها تفطر في رمضان، وأنا لا أتذكر أبدًا هل قمت بفعل الاستنماء في رمضان أم لا؟ فماذا أفعل وعلي فرض قمت به؟ والله لا أتذكر أبداً كم رمضان أو كم مرة قمت به في رمضان؟ والله ما أعرف ماذا أفعل، هل أظل طول السنة صائمة خشية أني لا أتذكر استنميت فيه أم لا؟ والله أني كنت أجهل أنه مفطر، وأنه يوجب منه الغسل.

بالله عليكم أفتوني، هل سأظل أصوم إلي ما لا نهاية طوال هذة السنة؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فإنَّ مِن رحمة الله تعالى أنَّ الحكمَ الشرعي لا يَثْبُت في حقِّ المكلفين إلا بعد البلاغ، فكل منَّ خفي عليه بعض فروع الشريعة، أو لم يبلغه حُكمها، فإنه معفو عنه قبل البلاغ؛ قال تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا} [البقرة: 286]، وفي صحيح مسلم أنَّ الله أجاب هذا الدعاء - قال سبحانه: «قد فعلتُ»، وقال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5]، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «رُفع عن أمتي الخطأُ والنسيانُ وما استُكْرِهوا عليه»؛ رواه ابن ماجه وابن حِبَّان وغيرهما.

وبَيَّن هذا الأصل الكبير شيخُ الإسلام ابن تيميَّة في مواضعَ كثيرةٍ مِن مُصنفاته، ورجَّح أنَّ المكلف قبلَ ورُود الشرع غير مطالبٍ بشيء، ولا تجب إعادة العبادات التي جهل شيئًا مِن شُروطها أو أركانها؛ فقال في "مجموع الفتاوى" (22/ 41-45): "والأظهر أنه لا يجب قضاءُ شيء مِن ذلك، ولا يثبت الخطابُ إلا بعد البلاغ؛ لقوله تعالى {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]، وقوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، ولقوله: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، ومثلُ هذا في القرآن متعدِّد، بَيَّن سبحانه أنه لا يعاقب أحدًا حتى يبلغه ما جاء به الرسول، ومن علم أنَّ محمدًا رسول الله فآمَن بذلك، ولم يعلم كثيرًا مما جاء به - لم يُعَذِّبه الله على ما لم يبلغه، فإنه إذا لم يعذبه على تَرْك الإيمان بعد البلوغ، فإنه لا يُعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلاغ أَوْلَى وأحرى.

وهذه سُنةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم المستفيضة عنه في أمثال ذلك؛ فإنه قد ثَبَتَ في الصِّحاح أنَّ طائفة مِن أصحابه ظنوا أنَّ قوله تعالى: {الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] هو الحبلُ الأبيض مِن الحبل الأسود؛ فكان أحدُهم يربط في رجله حبلًا، ثم يأكل حتى يَتَبَيَّن هذا مِن هذا! فبَيَّن النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن المراد: بياض النهار، وسواد الليل، ولم يأمُرْهم بالإعادة، وكذلك عمر بن الخطاب وعمَّار أجنبَا، فلم يُصلِّ عمرُ حتى أدرك الماء، وظن عمار أنَّ الترابَ يصل إلى حيثُ يصل الماء؛ فتَمَرَّغَ كما تمرغ الدابة، ولم يأمُر واحدًا منهم بالقضاء، وكذلك أبو ذر بقي مدة جنُبًا لم يُصلِّ، ولم يأمُرْه بالقضاء، بل أمرَهُ بالتيمُّم في المستقبل.

وكذلك المستحاضة قالتْ: إني أستحاض حيضةً شديدة تمنعني الصلاة والصوم، فأمرها بالصلاة زمن دم الاستحاضة، ولم يأمُرْها بالقضاء، ولما حُرِّم الكلام في الصلاة تَكَلَّم معاوية بن الحكم السلمي في الصلاة بعد التحريم جاهلًا بالتحريم، فقال له: «إنَّ صلاتنا هذه لا يَصْلُح فيها شيء مِن كلام الآدميين»، ولم يأمره بإعادة الصلاة، ولما زيد في صلاة الحضَر حين هاجر إلى المدينة كان مَن كان بعيدًا عنه مثل من كان بمكة، وبأرض الحبشة يُصلون ركعتين، ولم يأمرهم النبيُّ بإعادة الصلاة.

ولما فرض شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، ولم يبلغ الخبر إلى مَن كان بأرض الحبشة من المسلمين حتى فات ذلك الشهر، لم يأمُرْهم بإعادة الصيام، وكان بعض الأنصار - لما ذهبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة قبل الهجرة - قد صلى إلى الكعبة معتقدًا جواز ذلك قبل أن يُؤمر باستقبال الكعبة، وكانوا حينئذٍ يستقبلون الشام، فلما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمره باستقبال الشام، ولم يأمره بإعادة ما كان صلى.

وثبت عنه في الصحيحين أنه سُئل - وهو بالجِعْرانة - عن رجلٍ أحرم بالعمرة، وعليه جُبَّة، وهو متضمخ بالخلوق، فلما نزل عليه الوحي قال له: «انزعْ عنك جُبَّتك، واغسلْ عنك أثر الخلوق، واصنعْ في عمرتك ما كنتَ صانعًا في حجك»، وهذا قد فعَل محظورًا في الحج، وهو لُبسُ الجبة، ولم يأمرُه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بدمٍ، ولو فعل ذلك مع العلم لَلَزِمَهُ دم، وثَبَتَ عنه في الصحيحين أنه قال للأعرابي المسيء في صلاته: «صلِّ فإنك لم تُصل»، مرتين أو ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أُحسن غير هذا، فعلِّمْني ما يجزيني في الصلاة، فعلمه الصلاة المجزية، ولم يأمُرْه بإعادة ما صَلَّى قبل ذلك، مع قوله: ما أُحسن غير هذا، وإنما أمره أن يُعيدَ تلك الصلاة؛ لأن وقتها باقٍ، فهو مُخاطَب بها، والتي صلاها لم تبرأ بها الذمة، ووقت الصلاة باقٍ.

ومعلوم أنه لو بلغ صبي أو أسلم كافر، أو طهرتْ حائض، أو أفاق مجنون، والوقت باقٍ لَزِمَتْهم الصلاة أداء لا قضاء، وإذا كان بعد خروج الوقت فلا إثم عليهم! فهذا المسيء الجاهل إذا علم بوجوب الطمأنينة في أثناء الوقت فوجبتْ عليه الطمأنينة حينئذٍ، ولم تجبْ عليه قبل ذلك؛ فلهذا أَمَرَهُ بالطمأنينة في صلاة تلك الوقت، دون ما قبلها.

وكذلك أَمْرُه لِمَنْ صلى خلف الصف أن يعيدَ، ولمن ترك لمعةً مِن قدمه أن يعيدَ الوضوء والصلاة، وقوله أولًا: «صل فإنك لم تُصل» يُبَيِّن أن ما فعله لم يكن صلاة، ولكن لم يعرف أنه كان جاهلًا بوجوب الطمأنينة، فلهذا أَمَرَهُ بالإعادة ابتداء، ثم علمه إياها لَمَّا قال: "والذي بعثك بالحق لا أُحسن غير هذا"!

فهذه نصوصُه صلى الله عليه وسلم في مَحظورات الصلاة والصيام والحج، مع الجهل فيمن ترك واجباتها مع الجهل". اهـ.

وقال أيضًا في "الفتاوى الكبرى" (2 / 48): "والصحيح في جميع هذه المسائل عدمُ وجوب الإعادة؛ لأنَّ الله عفا عن الخطأ والنسيان، ولأنه قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، فمن لم يبلغه أمرُ الرسول في شيء معين لم يَثْبُتْ حكم وجوبه عليه.

وقد ثَبَتَ عندي بالنقل المتواتر أنَّ في النساء والرجال بالبوادي وغير البوادي، مَن يَبلغ ولا يعلم أنَّ الصلاة عليه واجبة، بل إذا قيل للمرأة: صلي، تقول: حتى أكبر وأصير عجوزًا! ظانَّة أنه لا يُخاطَب بالصلاة إلا المرأة الكبيرة، كالعجوز ونحوها، وفي أتباع الشيوخ طوائفُ كثيرون لا يعلمون أن الصلاة واجبة عليهم، فهؤلاء لا يجب عليهم في الصحيح قضاء الصلوات، سواء قيل: كانوا كفارًا، أو كانوا معذورين بالجهل". اهـ.

إذا تقرر هذا فلا يجب على السائل الكريم قضاء شيء من الصلوات التي صلاها وهو يجهل شروط صحتها، وكذلك لا يجب عليه قضاء شيء من أيام رمضان التي وقع الخلل فيها عن جهل،، والله أعلم.