أريد الزواج من فتاة ولكن أهلي يرفضون
خالد عبد المنعم الرفاعي
أصبحت في حيرة من أمري، لا أريد ظلم للبنت ولا أريد عقوق أهلي، وأنا أحب تلك الفتاة كثيرًا ومتمسك بها وهي متدينة وعلى خلق، ماذا أفعل؟
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - الأدب مع الوالدين -
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أحببت فتاة بالعمل واعترفت لها بحبي ونويت أن اتقدم إلى أهلها لطلبها زواجًا شرعيًا، وبعد أن تم تحديد الموعد، ذهبت للزيارة الأولى لإجراء المقابلة ومعرفه الموافقة المبدئية بدون علم أهلي أنا، وبعد ما ذهبت وتمت الموافقة قال لي والد البنت "يمكنك أن يأتي والديك لقراءة الفاتحة والارتباط رسميًا".
ولما فاتحت والدي في هذا الموضوع حدثت مشاكل فيما بيننا وتخاصمنا، ورغم ذلك البنت ما زالت معي ومتمسكة بي وأن كذلك متمسك بها، ولكن والدتي أصرت على عدم الذهاب إليهم وعدم استكمال باقي الخطوات وأن تزوجني من تلك الفتاة، كان والدي في بادئ الأمر متضامنًا معي ولكن والدتي أثرت عليه، جعلته ينقلب علي.
وأصبحت في حيرة من أمري، لا أريد ظلم للبنت ولا أريد عقوق أهلي، وأنا أحب تلك الفتاة كثيرًا ومتمسك بها وهي متدينة وعلى خلق، ماذا أفعل؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فطاعة الوالدين والحرصَ على رضاهما مِن أوكد الواجبات الشرعية، وأدلةُ الكتاب والسنة أشهَرُ مِن أن تُذْكَر، ولا يتسع المقام لذكرها، كما أن عقوقُهما مِن أكبر الكبائر التي تُوجب غضب الله عزَّ وجل؛ فعن عبدالله بنِ عمرو رضي الله عنهما عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «رضا الرَّبِّ في رضا الوالد، وسخَط الرَّبِّ في سخَط الوالد»؛ رواه التِّرمذي، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة، ورواه الطبرانيُّ بلفظِ: «رضَا الرَّبِّ في رضا الوالِدَيْنِ، وسَخَطُهُ في سَخَطِهما».
غير أنَّ الشارع الحكيم لم يجعل تلك الطاعة مُطلقةً، وإنما هي مقيدة بالمعروفِ فقط، وبشرط عدم التعنُّت.
والذي يَظهر مِن كلام السائل أن الوالدَ كان موافقًا ثم رفَض، كما أن الفتاة متدينة وعلى خلق، وهذا مطمح نظر أصحاب الدِّين والمروءة، فصاحبة الدِّين والخلُق هي مَن تَصلُح للسكن والمودَّة والرحمة والستر والصيانة وحفظ العرض مِن يدٍ تَلمس، أو عين تُبصر، أو أذن تسمع، لا سيما فيما تَطول صحبته، ومن أجل كل هذا كانتْ عناية الشارع الحكيم وحضُّه بتحصيل صاحبة الدين الذي هو غاية البغية؛ قال الله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34]، قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]، وقال الله تعالى: {وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221]، وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النور: 32]، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُنكَح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تَرِبَت يداك»؛ متفق عليه، وروى مسلم عن جابر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن المرأة تُنكح على دينِها، ومالها، وجمالها، فعليك بذات الدِّين تربَتْ يداك».
إذا تقرَّر هذا؛ فحاول إقناع والديك، وبيِّن لهم تعلقك بالفتاة، وما تتميز به من صفات، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مثل هذا: «لم نَرَ - يُرَ - للمتحابين مثل النكاح».
وترفَّق بهم في النصيحة، وربما تحتاج في إقناعهم إلى توسيط أهل الخير والفضل، وكل مَن له جاه مَقبول عندهم، فإن أصرُّوا على مَوقفِهم فلا يجب عليك طاعتهما حينئذ؛ لأنه تعنُّت وإضرار ومشقَّة، وطاعةُ الوالدَين كما سبق مقيَّدة بما لا يخالف الشرع؛ كغيرها من الطاعات التي جعلها الله لبعض الناس فقط، وفي "الصحيحَين" عن عليٍّ رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الطاعةُ في المعروف».
هذا؛ والله أعلم.