التوبة من الكفر
خالد عبد المنعم الرفاعي
منذ عدة سنوات كنت مفتون بالنساء، وكنت أشاهد التلفاز وكانت هناك ممثلة فاتنة، فقلت: "لا بد أن نعبدها" ثم قلت: "أشهد أن فلانة" ثم توقفت عن الكلام، وكنت آكل وقتها ثم قلت: "بسم فلانة"، وبعدها بلحظات قلت لنفسي: "ما الذي أفعله"، ثم استغفرت. فهل بهذا قد كفرت بالله؟
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية - التوبة -
ما حكم صيامي وصلاتي وحياتي أغيثوني أغثاكم الله؟
منذ عدة سنوات كنت مفتون بالنساء، وكنت أشاهد التلفاز وكانت هناك ممثلة فاتنة، فقلت: "لا بد أن نعبدها" ثم قلت: "أشهد أن فلانة" ثم توقفت عن الكلام، وكنت آكل وقتها ثم قلت: "بسم فلانة"، وبعدها بلحظات قلت لنفسي: "ما الذي أفعله"، ثم استغفرت.
فهل بهذا قد كفرت بالله؟
مع العلم أني استغفرت ربي عن هذا، وقلت وقتها لنفسي "بالتأكيد لم أكفر بالله"، ونسيت الأمر على ذلك لسنوات عدة أكثر من 8 سنوات.
ثم تذكرت هذا الموقف، وأحس الآن بضيق شديد وذنب عظيم وان حياتي الماضية من صلاة وصوم وعبادة باطلة.
ماذا أفعل الآن؟ أنا بالتأكيد أرفض الأمر هذا بشدة، ولكن كلما يأتي في ذهني هذا أقول الشهادة.
نفسي وذاتي تنكر أن هذا كفر ولا أتخيل أني قد كفرت وأن علي العودة للإسلام والتوبة. بالتأكيد أنا تبت عن ما قلت، لكن لم أفكر يومًا بأني كفرت واحتاج لتجديد نيه الإسلام، لقد قلت الشهادة عدة مرات بعد هذا الموقف مباشرة، ولكن لم أفكر يومًا بأني قد أكون كافرًا لهذا الموقف، ولكني أيضًا لم أغتسل لنية هذا الموقف لرفضي فكرة كفري.
ماذا أفعل، وهل صلاتي وصيامي وحياتي كل الأعوام السابقة صحيحة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:
فمن المقرر في دين الله تعالى من لدن آدم إلى خاتم الرسل محمد بن عبدالله، أن التوبة مشروعة لكل عبد، للأنبياء ولمن دونهم، وأن الله سبحانه وتعالى، يرفع عبده بالتوبة، وإذا ابتلاه بالذنب؛ فالمقصود كمال النهاية لا نقص البداية، فإنه تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين، وهو يبدل بالتوبة السيئات حسنات، والذنب مع التوبة يوجب من الانكسار والتواضع والخشوع وغيرها، ما لم يكن يحصل لولا الذنب؛ حتى قال بعض السلف: "إن العبد ليفعل الذنب فيدخل به الجنة، ويفعل الحسنة فيدخل بها النار"
فالله تعالى برحمته وكرمه يقبل التوبة ويغفر جميع الذنوب، حتى الردة، ما دام العبد ندم واستغفر وأقلع؛ كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38]، وقال: {مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} [النساء: 147].
ومن تأمل ما كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية"(2/ 429-433) وهو يقرر تلك تلك القاعدة العظيمة-: علم الحكمة من تخلية الله تعالى بين العبد وبين الذنب، فقال:
"فليس من تاب إلى الله تعالى وأناب إليه -بحيث صار بعد التوبة أعلى درجة مما كان قبلها-: منقوصًا ولا مغضوضًا منه، بل هذا مفضَّل عظيم مكرم.
وإذا عُرف أن أولياء الله، يكون الرجل منهم قد أسلم بعد كفره، وآمن بعد نفاقه، وأطاع بعد معصيته، كما كان أفضل أولياء الله من هذه الأمة - وهم السابقون الأولون – يبين صحة هذا الأصل.
والإنسان ينتقل من نقص إلى كمال، فلا ينظر إلى نقص البداية، ولكن ينظر إلى كمال النهاية، فلا يعاب الإنسان بكونه كان نطفة ثم صار علقة ثم صار مضغة، إذا كان الله بعد ذلك خلقه في أحسن تقويم، ومن نظر إلى ما كان فهو من جنس إبليس الذي قال: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين} [الأعراف: 12]، وقد قال تعالى: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ* فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 71، 72]، فأمرهم بالسجود له إكرامًا لما شرفه الله بنفخ الروح فيه، وإن كان مخلوقًا من طين، والملائكة مخلوقون من نور، وإبليس مخلوق من نار، كما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " «خلق الله الملائكة من نور، وخلق إبليس من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم».
وكذلك التوبة بعد السيئات؛ قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير وجه أنه قال: «لله أشد فرحًا بتوبة عبده، من رجل أضل راحلته بأرض دوية مهلكة، عليها طعامه وشرابه، فقال تحت شجرة ينتظر الموت، فلما استيقظ إذا بدابته عليها طعامه وشرابه، فكيف تجدون فَرَحه بها؟ قالوا: عظيمًا يا رسول الله، قال: لله أشد فرحا بتوبة عبده من هذا براحلته».
وإذا ابتُلى العبد بالذنب، وقد عُلم أنه سيتوب منه ويتجنبه، ففي ذلك من حكمة الله ورحمته بعبده: أن ذلك يزيده عبودية وتواضعًا وخشوعًا وذلاً، ورغبة في كثرة الأعمال الصالحة، ونفرة قوية عن السيئات، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين».
وذلك أيضا يدفع عنه العجب والخيلاء، ونحو ذلك مما يعرض للإنسان، وهو أيضًا يوجب الرحمة لخلق الله، ورجاء التوبة والرحمة لهم إذا أذنبوا، وترغيبهم في التوبة،
وهو أيضا يبين من فضل الله وإحسانه وكرمه ما لا يحصل بدون ذلك؛ كما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون، فيغفر لهم».
وهو أيضًا يبين قوة حاجة العبد إلى الاستعانة بالله والتوكل عليه، واللجء إليه في أن يستعمله في طاعته ويجنبه معصيته، وأنه لا يملك ذلك إلا بفضل الله عليه وإعانته له، فإن من ذاق مرارة الابتلاء وعجزه عن دفعه إلا بفضل الله ورحمته، كان شهود قلبه، وفقرُه إلى ربه، واحتياجه إليه في أن يعينه على طاعته ويجنبه معصيته-: أعظم ممن لم يكن كذلك؛ ولهذا قال بعضهم: "كان داود - صلى الله عليه وسلم - بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة، وقال بعضهم: لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه، لما ابتلى بالذنب أكرم الخلق عليه.
وقد تكون التوبة موجبة له من الحسنات ما لا يحصل لمن يكن مثله تائبًا من الذنب.
إلى أن قال: "قال بعض من كان من أشد الناس عدواة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كسهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي كان من أشد الكفار هجاء وإيذاء للنبي - صلى الله عليه وسلم - فلما تاب وأسلم كان من أحسن الناس إسلامًا، وأشدهم حياء وتعظيمًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكذلك الحارث بن هشام، قال الحارث: ما نطقت بخطيئة منذ أسلمت، ومثل هذا كثير في أخبار التوابين.
فمن يجعل التائب الذي اجتباه الله وهداه منقوصًا بما كان من الذنب الذي تاب منه، وقد صار بعد التوبة خيرًا مما كان قبل التوبة- فهو جاهل بدين الله تعالى، وما بعث الله به رسوله". اهـ. مختصرًا.
إذا تقرر هذا؛ فالصيام والصلاة وجميع العبادات بعد التوبة صحيحة إن شاء الله تعالى،، والله أعلم.