تعرفت على شاب من مواقع التواصل
خالد عبد المنعم الرفاعي
تعرفت على شاب من مواقع التواصل، وكنت حريصة على أن نجعل دين الله منهجنا، فكنت أيقظه على صلاة الفجر ويذكر بالصلاة أحدنا الآخر، والشاب يخاف الله وأحبني وأرادني بالحلال.. إلا أن أهلي رفضوا استقبال الشاب والسؤال عنه حتى، بحجة أنه لا يملك بيتًا.
- التصنيفات: التوبة - قضايا المرأة المسلمة - العلاقة بين الجنسين -
السلام عليكم يا من منَّ الله عليكم بعمله ودينه ..
شوخنا الأفاضل، أريد منكم النصيحة وإخباري بما يداوي قلبي من جزع وخوف.. فأنا شابة في العشرينات من العمر، تعرفت على شاب من مواقع التواصل، وكنت حريصة على أن نجعل دين الله منهجنا، فكنت أيقظه على صلاة الفجر ويذكر بالصلاة أحدنا الآخر، والشاب يخاف الله وأحبني وأرادني بالحلال، ووعدني بأن يتقدم لخطبتي ما أن يتوفر في سبيله المال لذلك، وكنت قد دعوت الله أن يرزقني شابًا أحبه ولكن دون الوقوع في الحرام.
فشاء الله وسافر الشاب الى بلد خليجي بعد أن رآني لمرتين فقط، وبقي في بلاد الغربة سنة كاملة جمع فيها نقودًا تكفينا للخطبة، وبالفعل فقد طلب الشاب من أهله أن يتقدموا لخطبتي، واتصلوا بأهلي إلا أن أهلي رفضوا استقبال الشاب والسؤال عنه حتى، بحجة أنه لا يملك بيتًا، مما أظلم الدنيا في عيني وعينه، والله ما أردنا إلا أن يتم الله ما بيننا بالحلال .. واتفقنا على أن ننتظر لسنة قبل أن يعود ويتقدم لخطبتي مرة أخرى.
إلا أنه قد عاد من غربته بعد عام ونصف، وأصر على رؤيتي، ولم أستطع رفض مقابلته فهو والله ما خدعني طيلة معرفتنا ولا آذاني ولا أحزنني ولو مرة واحدة، وجاءني من بيت أهلي إلا أن الله لم يشأ، واليوم حين رأيته لم أستطع منعه من احتضاني وتقبيلي، مع أنني تمنعت في البداية إلا أنني لم أستطع، ولكن والله ما جاوزنا حد الحضن واللمس والقب، والله سعينا لإشباع قلوبنا بالحلال إلا أن الحلال صعب في هذه الأيام..
والآن أنا ألوم نفسي أشد الندم، وأشعر بالذنب العظيم على ما فعلته، وتراودني الفكرة لإيذاء نفسي عقابًا لي على ما فعلت..
فساعدوني أرجوكم وجزاكم الله كل خير.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رَسُول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فالله تعالى حرَّم أي علاقة بين الرجل والمرأة الأجنبية، إلا في ظل زواج شرعي، والحكمة من ذلك ما يفضي إليه غالبًا من محرمات، ومن ثمّ حرَّم الله تعالى مجرد النظرة بين الرجال والنساء إلا لضرورةٍ، وحاجةٍ معتبرةٍ؛ كما قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30، 31].
وأخرج مسلمٌ في صحيحه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سُئِل عن نظرة الفجأة، فقال: «اصرفْ بَصَرَك»، بل أخرج الإمامُ أحمد في المسند، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لا تتبع النظرة النظرة؛ فإن الأولى لك، والآخرة عليك».
وحرم الخلوة بالأجنبية، وحرم الاختلاط، واللمس، وغيرها؛ وكل هذا سدًا للذريعة، فالقصد الحسَن لا يُبَرِّر الوسيلة المُحَرَّمة، وأي علاقةً بين الجنسين تبدأ بالكلام والنظرة ثم تتطور إلى الحرام، ولهذا السبب نهى الله عباده عن مقاربته أو مخالطة أسباب الزنا ودواعيه، لأن من حام حول الحمى رتع؛ قال الله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32]، وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].
وحل أي مشكلة يبدأ بالكفُّ عن خداع النفس؛ وتزين الشيطان، فكيف يُظن عاقل أن علاقة حرمها الشرع يكون فيها تعاون على البر والتقوى! والضدان لا يجتمعان، فالشيطان يشم قلب العبد، فإن وجد ميلًا للدين زين له الحرام في صورة الطاعة، فشباكه متنوعة حسب هوى كل شخص.
أما ما يَجب الآن، فالتوبة النصوح، وشرطها قَطْعُ أي علاقةٍ باقية مع ذلك الرجل، والحذر من التمادَي، والوقوع في تلك الفاحشة العظيمةِ، والخطيئة الكبيرة.
فالمرأة المؤمنة وقَّافة عند حدود الله، هيَّابة، فقبل أن تُقْدِمَ على أيِّ أمر تضَع الله واليوم الآخر نُصب عينيها، وأن تعرفَ محل رضا الله تعالى مما تفعله؛ فإن كان مما يرضي الله أسرعتْ فيه، وإن كان مما حرمه الله تعالى ونهى عنه كانتْ أبعد الناس عنه.
والشيطان لعنه الله تمكن من الفتيات بتزين أن العلاقة طاعة الله رسوله، فالحذَرَ الحذَرَ؛ فقد قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، والله - جل وعلا - لا يأمر إلا بما هو خيرٌ، ولا ينهى إلا عما هو شرٌّ.
والمؤمن المتقي قد يقع منه الذنب، لكنه لا يصر، فيعود إلى الله ويستغفر ويكثر من فعل الخيرات، ولا يسترسل في علاقةٍ غير مشروعةٍ، فيحال بينه وبين التوبة.
وسبيل التوبة مفتوح دائمًا لكل من قصده؛ قال: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة: 104]، وقال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ . وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الشورى: 25، 26]، فالعفو والمغفرة والرحمة، أحب إليه من الانتقام والعقوبة والغضب، والفضل أحب إليه من العدل، والعطاء أحب إليه من المنع.
وقال رسول الله: «لو لم تذنبوا، لذهب الله بكم، وجاء بقوم يذنبون، ثم يستغفرون، فيغفر لهم»؛ رواه مسلم.
قال الإمام ابن القيم في "شفاء العليل" (ص: 223):
"فلو لم يقدر الذنوب والمعاصي، فلمن يغفر، وعلى من يتوب، وعمن يعفو ويسقط حقه، ويظهر فضله وجوده وحلمه وكرمه، وهو واسع المغفرة، فكيف يعطل هذه الصفة؟ أم كيف يتحقق بدون ما يغفر، ومن يغفر له، ومن يتوب، وما يتاب عنه؟".
وإن كان هذا الشخص حريصًا عليك، فليذهب لأسرتك مرة أخرة، فرسول الله قال - صلى الله عليه وسلم -: «لم يُر للمتحابين مثل النكاح»؛ أخرجه ابن ماجه.
ويمكنه الاستعانة ببعض الأطراف مِن أهلك؛ ليُعينوه،، والله أعلم.