هل يجوز إخراج زكاة الفطر مالًا، وما وقت خروجها؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
فَرَضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زكاةَ الفِطْرِ صاعًا من تَمْرٍ أوْ صاعًا من شعيرٍ، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة»
- التصنيفات: فقه الزكاة - فتاوى وأحكام -
هل يجواز اخرج زكاه الفطر مالا ومتى يكون وقتها
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا يتردد عالم أن زكاة الفطر حق خالص للمساكين؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «طعمة للمساكين»، ومن ثمّ كان المساكين وأهل الحاجة هم مصرفها، دون استيعاب المصارف الثمانية.
كما أن الحكمة من مشروعيتها هيِِ إغناؤهم عن سؤال الناس يوم العيد، وسد خلتهم.
وقد فرض الشارع الحكيم زكاة الفطر: صاعًا مما يأكله الناس من الطعام؛ ففي صحيح البُخاريِّ عن ابن عمر - رضي الله عنهما – قال: «فَرَضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زكاةَ الفِطْرِ صاعًا من تَمْرٍ أوْ صاعًا من شعيرٍ، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة».
وعن أبي سعيد الخدرى - رضى الله عنه – يقول: «كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب»؛ متَّفق عليه.
وذهب الجمهور من المالكية والشافعية ولحنابلة إلى وجوب إخراجها طعام مطلقًا، قال النَّووِيُّ في "المجموع": "لا تُجْزِئ القيمة في الفِطْرة عندنا، وبه قال مالكٌ وأحمدُ وابْنُ المنذر، وقال أبو حنيفة: يجوز، حكاه ابن المنذر عن الحسن البصريّ وعمر بن عبد العزيز والثوري، وقال إسحاق وأبو ثور: لا تجزئ إلا عند الضرورة" انتهى.
وأجاز أبو حنيفة إخراجَ القيمة مطلقًا.
ومن تأمل أدلة الشرع وقواعده العامة، والحكمة من فرض زكاة الفطر، علم أن القيمة لا تجزئ إلا عند الحاجة، والمصلحة الراجحة، مثل أن يكون الفقير لا يَسد الطعام فقط حاجته، أو يكون إخراج النقود أنفع له؛ كما هو حال كثير من الفقراء في أنحاء العالم الإسلامي، ففقراء زماننا تتنوع حاجاتهم، ولا تقتصر على الطعام، بل تتعداه إلى اللباس والسكن والدواء، وإغاثة الملهوف، ونفقات الحياة، وغيرها كثير، والشريعة الإسلامية التي أنزلها الله بعلمه، نزلت لتعمل في واقع الناس لكل زمان ومكان، وفيها حلول كل ما يجد من المشكلات اليومية الملحة، والتي لا ينفع معها التجاهل، أو الجمود عند النص، وإهمال العلة الغاية للنص، وهي الحكمة التشريعية.
ولا شك أن من أوجب إخراج الحبوب رغم تفنن الحاجات، غلّب النص على الحكمة التشريعية، ومن أجازها مطلقًا، غلب العلة على النص.
وأعدل الأقوال مراعاة هذا وهذا، فنخرج الطعام إن كانت حاجة الفقير تُقضى به، وإن كانت حاجته متنوعة، فتخرج القيمة مراعاة للحكمة، فمن المعلوم أن مصلحة وجوب العين إذا عارضتها المصلحة الراجحة، قدّمت المصلحة، بلا تردد.
هذا؛ ومن تأمل كلام شيخي الإسلام ابن تيمية وابن القيم لم يتردد في القول بجواز القيمة عند الحاجة والمصلحة، وعلم كيف فهم الأئمة الأعلام نصوص الشريعة، في ظل حكمة التشريع، فأعطوا للاعتبار والقياس حقه؛ قال في إعلام الموقعين عن رب العالمين (3/ 18) - بعد أن ذكر حديث أبي سعيد -:
"وهذه كانَتْ غالب أقْواتِهِم بالمدينة، فأمَّا أَهْلُ بلدٍ أو محلَّة قوتهم غير ذلك فإنما عليهم صاع من قوتهم، كَمَنْ قُوتُهم الذرة والأرز أو التّين أو غير ذلك من الحبوب، فإن كان قوتُهم من غير الحبوب كاللبن واللحم والسمك أخرجوا فطرتهم من قوتهم كائنًا ما كان، هذا قول جُمهور العلماء، وهو الصواب الذي لا يُقال بغيره؛ إذِ المقصودُ سدُّ خلة المساكين يوم العيد، ومواساتهم من جنس ما يقتاته أهل بلدهم.
وعلى هذا فيجزئ إخراج الدقيق وإن لم يصح فيه الحديث، وأما إخراج الخبز والطعام فإنه وإن كان أنفع للمساكين لقلة المؤنة والكلفة فيه، فقد يكون الحب أنفع لهم لطول بقائه، وأنه يتأتى منه ما لا يتأتى من الخبز والطعام، ولا سيما إذا كثر الخبز والطعام عند المسكين، فإنه يفسد ولا يمكنه حفظه.
وقد يقال: لا اعتبار بهذا، فإن المقصود إغناؤهم في ذلك اليوم العظيم عن التعرض للسؤال، كما قال النبي: «أغنوهم في هذا اليوم عن المسألة»، وإنما نص على تلك الأنواع المخرجة لأن القوم لم يكونوا يعتادون اتخاذ الأطعمة يوم العيد، بل كان قوتهم يوم العيد كقوتهم سائر السنة؛ ولهذا لما كان قوتهم يوم عيد النحر من لحوم الأضاحي، أمروا أن يطعموا منها القانع والمعتر؛ فإذا كان أهل بلد أو محلة عادتهم اتخاذ الأطعمة يوم العيد جاز لهم، بل يشرع لهم أن يواسوا المساكين من أطعمتهم، فهذا محتمل يسوغ القول به، والله أعلم".اهـ.
وقد أجاز شيخ الإسلام ابن تيمية إخراج القيمة إذا دعت المصلح أو الحاجة، ليس في زكاة الفطر فقط، وإنما في جميع الكفارات والزكوات وغيرها؛ لأن الشريعة جاءت بمصالح المسلمين؛ ففي "مجموع الفتاوى" (25/ 82):
"وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك، فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز، وعند أبي حنيفة يجوز، وأحمد - رحمه الله - قد منع القيمة في مواضع وجوزها في مواضع، فمن أصحابه من أقر النص، ومنهم من جعلها على روايتين، والأظهر في هذا: أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه"
وقال أيضًا: (25/ 79): "وأما إذا أعطاه القيمة ففيه نزاع: هل يجوز مطلقًا؟ أو لا يجوز مطلقًا؟ أو يجوز في بعض الصور للحاجة أو المصلحة الراجحة؟ على ثلاثة أقوال - في مذهب أحمد وغيره وهذا القول أعدل الأقوال".
أما وقت إخراجها، ففي حديث ابن عمر في الصحيحين: «وأمَرَ بِها أن تؤدَّى قبل خروج الناس إلى الصلاة»،
ويجوز إخراجِها قبلَ الفِطْر بيومٍ أو يومَيْنِ، لا أكثر من ذلك؛ قال ابنُ عُمر: "كانوا يُعطونَها قبل الفطر بيومٍ أو يومين"؛ رواه البخاري. وهو مذهب مالكٌ وأحمدُ.
وقال ابن قدامة في "المغني" - بعدما ذكر أثر ابن عمر -: "وهذا إشارة إلى جَميعهم فيكون إجماعًا، ولأنَّ تعجيلها بِهذا القَدْرِ لا يخلُّ بالمقصود منها".اهـ.
هذا؛ والله أعلم.