هل يجوز للمالكي اتباع الحنفية في بعض المسائل؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

وأود أن أعرف من حضرتكم حكم الأخذ بأقوال بعض العلماء من مذاهب أخرى وهل علي إثم إذا عملت بهذه الأقوال لأنها ليست من المذهب المالكي؟

  • التصنيفات: الفقه وأصوله -
السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

أنا شاب من المغرب (المذهب المالكي) ومصاب بوسواس الطهارة وأود أن أعرف من حضرتكم حكم الأخذ بأقوال بعض العلماء من مذاهب أخرى (مثلا حكم العمل بقول المذهب الحنفي بنضح المذي الذي يصيب الثوب وكذا بقول ابن تيمية في العفو عن يسير النجاسات مطلقا) وهل علي إثم إذا عملت بهذه الأقوال لأنها ليست من المذهب المالكي.

أرجو منكم أن تجيبوني في أسرع وقت ممكن ودمتم لنا ناصحين.

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فإن الواجب على كل مسلم اتباع الدليل من الكتاب أو السنة، فلا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله، كما أن الله سبحانه لم يوجب على أحد من الناس إتباع مذهب معين من مذاهب الأئمة.

 وإنما يجوز للعامي تقليد أحد المذهب الأربعة، ولا حرج عليهم في ذلك؛ لأنه لا يسع جميع المسلمين العمل بالدليل، فضلاً عن الاجتهاد فيه.

وقد أجمع أهل العلم على أن العامي، وهو غير المجتهد لا مذهب له، وأن مذهبه مذهب مفتيه المعروف بالضبط والعدالة، ومن تأمل حال المسلمين زمن الصحابة إلى يوم الناس هذا، علم أن المستفتين كانوا يسألون كل من عرف بالعلم ولم يتقيدوا بقول أحدهم، ولم ينكر عليهم علماء عصر من العصور، فكان ذلك إجماعًا على أن غير المجتهد لا يجب عليه تقليد إمامًا معينًا.

والراجح من قولي أهل العلم أنه لا يجب على المقلد أن يلتزم مذهبًا معينًا في كل حادثة؛ لأن الشارع لم يوجب عليهم إتباع إمامًا معينًا أو التزام مذهبًا بعينه، وإنما أوجب عليهم سؤال أهل العلم؛ فتحصل أن من اتبع مذهبًا معينًا ثم إذا أراد الانتقال إلى غيره، فلا حرج عليه بشرط ألا يقصد تتبع الرخص أو الزلات، ويسمى هذا عند أهل العلم بالتلفيق، وهو جائز شرعًا، كما يتعين على جميع المسلمين مخالفة المذهب وإتباع المذهب الذي يوافق الدليل.

 وممن نصّ على ما اخترناه الإمام النووي، فرجح عدم وجوب تقليد إمام معين في كل المسائل والحوادث التي تعرض للمقلد، بل جوز له أن يقلد أي مجتهد شاء، وأنه لو التزم مذهبًا معينًا كمذهب الإمام الشافعي رحمه الله، فلا يجب عليه الاستمرار في تقليده، بل يجوز له أن ينتقل منه إلى مذهب آخر، ونصّ على مثله الإمام ابن عبد البر، والإمام القرافي فقال كما في "جلاء العينين" (ص: 209):

 "يجوز الانتقال من جميع المذاهب إلى بعضها بعضاً في كل ما لا ينتقض فيه حكم حاكم، وفي ذلك في أربعة مواضع: أن يخالف الإجماع أو النص، أو القياس الجلي، أو القواعد". اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية فيمجموع الفتاوى (20/ 203-204)

والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد جائز في الجملة؛ والتقليد جائز في الجملة لا يوجبون الاجتهاد على كل أحد ويحرمون التقليد ولا يوجبون التقليد على كل أحد ويحرمون الاجتهاد وأن الاجتهاد جائز للقادر على الاجتهاد والتقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد".

 وسئل عن وجوب اتباع مذهب معين فأجاب:

" إنما يجب على الناس طاعة الله والرسول وهؤلاء أولوا الأمر الذين أمر الله بطاعتهم في قوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} إنما تجب طاعتهم تبعًا لطاعة الله ورسوله لا استقلالًا ثم قال: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير} من أي مذهب كان ولا يجب على أحد من المسلمين تقليد شخص بعينه من العلماء في كل ما يقول ولا يجب على أحد من المسلمين التزام مذهب شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يوجبه ويخبر به بل كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. واتباع شخص لمذهب شخص بعينه لعجزه عن معرفة الشرع من غير جهته إنما هو مما يسوغ له ليس هو مما يجب على كل أحد إذا أمكنه معرفة الشرع بغير ذلك الطريق بل كل أحد عليه أن يتقي الله ما استطاع ويطلب علم ما أمر الله به ورسوله فيفعل المأمور ويترك المحظور". اهـ. (20/ 208-209).

إذا تقرر هذا؛ فيجوز لك العمل بقول الإمام أبي حنيفة وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهما من الأئمة،، والله أعلم.