الميراث لا يطيب المال الحرام
خالد عبد المنعم الرفاعي
هل على الابناء اثم فى ارثهم مالا حراما من ابيهم؟
- التصنيفات: موضوعات متنوعة -
هل على الابناء اثم فى ارثهم مالا حراما من ابيهم ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن إن كان المال الحرام الذي تركه المتوفى بسبب كسبه، مثل أن يكون عمله فيه إعانة على الحرام ككاتب الربا، وغيره من المهن التي حرمها الشارع: فهذا المال يطيب لورثته بالانتقال إليهم، وهو قول جمهور الفقهاء.
أما إن كان المال الحرام بسبب السرقة، أو كان ناتجًا عن التجارة في المخدرات، أو بيع الخمر والخنزير، أو كانت فوائد ربوية، أو مال رشوة، أو ما شابه: فهذا المال لا يتمول أصلاً ولم يدخل في ذمة الأول، ومن ثمّ فلا ينتقل للوارث، ولا يطيبه الميراث، قال الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188] ، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]
وعن جابر بن عبد الله، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: «إن الله حرم بيع الخمر والميتة، والخنزير، والأصنام»، فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنه يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: «لا هو حرام»، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «قاتل الله اليهود؛ إن الله لما حرم عليهم شحومها أجملوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه»؛ رواه أحمد أبو داود، وفيهما عن ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاعدًا في المسجد مستقبلًا الحجر، قال: فنظر إلى السماء، فضحك، ثم قال: «لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها، وأكلوا أثمانها، وإن الله عز وجل إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه».
وقد جاء التحذير من الانتفاع بالحرام فعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51] ، وقال {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك!»؛ رواه مسلم.
فالواجب على الورثة في تلك الحال رد المال إلى أصحابه إن لكانوا معلومين عندهم، فإن لم يعرفوهم أو لم يكن له مالك، فيضع المال في مصالح المسلمين.
وقد ذهب جمهور الفقهاء من الأئمة الأربعة إلى أن الموت لا يطيب المال الحرام،
قال الإمام ابن رشد الجد في كتابه "المقدمات الممهدات" (2/617):
"وأما الميراث: فلا يُطَيِّب المال الحرام، هذا هو الصحيح الذي يوجبه النظر. وقد روي عن بعض من تقدم أن الميراث يطيبه للوارث، وليس ذلك بصحيح "اهـ.
وفي مجموع الفتاوى (29/ 307) سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل مرابٍ، خلف مالاً وولدًا، وهو يعلم بحاله! فهل يكون المال حلالاً للولد بالميراث؟ أم لا؟
فأجاب:
"أما القدر الذي يعلم الولد أنه ربًا، فيخرجه، إما أن يرده إلى أصحابه إن أمكن، وإلا تصدق به، والباقي لا يحرم عليه؛ لكن القدر المشتبه يستحب له تركه، إذا لم يجب صرفه في قضاء دين أو نفقة عيال، وإن كان الأب قبضه بالمعاملات الربوية التي يرخص فيها بعض الفقهاء، جاز للوارث الانتفاع به، وإن اختلط الحلال بالحرام وجهل قدر كل منهما جعل ذلك نصفين". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.