زنا النظر

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

كيفية ترك مشاهدة الافلام الاباحية لقد تبت منها مرارا وتكرارا ولكن لا فائدة ارجع واعود مرة اخري لهذا الذنب القبيح ماذا افعل.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فلا شك أن مُشاهدة الأفلام الإباحيَّة من أقبح المحرمات التي تؤدِّي إلى قساوةِ القَلب، والغفلة عن الله تعالى وعن ذِكْره، وإمراض النَّفس المختلفة، واقبح ما فيها أنها تجرء  على ارتِكاب الفواحش والمعاصي، والتَّهاون فيها.

وقد أمرنا الله - سبحانه وتعالى - بغضِّ البَصر عما هو أهون منها فقال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْوَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور: 30].

والواجب على منِ شاهدها المُبادِرة بِالتَّوبة إلى الله - تعالى - فإنَّ التَّائبَ من ، الذَّنب كَمَن لا ذَنْبَ له، قال تعالى{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم: 8]، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: التوبة النصوح: أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه"، فهي التوبة الخالصة من كل غش.

وأما كونك تعود إلى الذنب فبسبب بقايا في نفسك، فلو أخرجت من قلبك الشهوة لم تعد إلى الذنب، ولو تاب العبد ثم عاد إلى الذنب قبل الله توبته الأولى، ثم إذا عاد استحق العقوبة، فإن تاب تاب الله عليه أيضا، ولا يجوز للمسلم إذا تاب ثم عاد أن يصر؛ بل يتوب ولو عاد في اليوم مائة مرة، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب تاب الله عليه)، ومن أظهر الأحاديث الدالة على سعة رحمة رب العالمين، في قبول التوبة لو تكرر الذنب مائة مرة أو ألف مرة أو أكثر، وتاب في كل مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه، ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته قوله عز وجل للذي تكرر ذنبه فيما يحكي النبي صلى الله عليه وسلم، عن ربه عز وجل، قال: (أذنب عبد ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبا، فعلم أن له ربًا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك)، قال عبد الأعلى: لا أدري أقال في الثالثة أو الرابعة: (اعمل ما شئت)،

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مختصر الفتاوى المصرية" (ص: 562)

"ومن تاب ثم عاد فعليه أن يتوب مرة ثانية، ثم إن عاد فعليه أن يتوب، وكذلك كلما أذنب ولا ييأس من روح الله، وإن لم تكن التوبة نصوحًا، فلعله إذا عاد إلى التوبة مرة بعد مرة منَّ الله عليه في آخر الأمر بتوبة نصو،ح والتائب إذا كانت نيته خالصة محضة لم يشبها قصد آخر، فإنه لا يعود إلى الذنب؛ فإنه إنما يعود لبقايا غش كانت في نفسه، وقد قيل إنه قد يعود من تاب توبة نصوحًا، وقد يقال: إن الأول أرجح؛ فإن الإيمان إذا خالطت حلاوته بشاشة القلوب لم يسخطه أبدًا، والقلب إذا باشر حقيقة الإيمان لم يتركه.

هذا؛ وسألخص لك بعض الأمور التي تعينك على الإقلاع عن مشاهدت تلك القاذورات:

أولاً: مجاهدة النفس عللا دوام العودة إلى الله مهما فعلت، فالمسلم ليس بمعصومٍ، وهو عرضةٌ للخطإ، والغفلة، والنسيان، والجهل، وهذه أمورٌ كلُّها تسهِّلُ الوُقوعَ في المخالفات، مهما كان صلاحُ العبدِ واستقامتُه، فقد ينسى أمر الله فيقع في مخالفةِ شرعِ الله، ويقعُ في الحَرَامِ بجهلٍ، وهذا كثيرٌ جدًّا، وقد يضعُفُ الإنسانُ أَمَامَ بعضِ المغْرِيَات، فيقعُ - كذلكِ - في المعصية، وقد يزيِّنُ الشيطانُ للإنسانِ الحَرَامَ، ويَظَلُّ يغريه، ويغويه؛ حتى يقع فيه، وهو معنى قول النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ((كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ))، فلا يوجَدُ أحدٌ - مهما كان إيمانُهُ - إلا ويحدُثُ له بعضُ الأمور التي ذكرناها، ولقد شاء الله أن يخلي بين العبدَ وبين المعاصي؛ لِحِكَمٍ من أعظمها تحقيق عبادة التوبة، وحتى نعبد الله - تعالى - بالأسماءِ والصفات التي تتعلق بالتوبة، والرحمة، والمغفرة؛ فالله - عز وجل - ما سَمَّى نفسه رحيمًا إلا ليرحمنا، ولا سَمَّى نفسه توابًا إلا ليتوب علينا، ولا سَمَّى نفسه غفورًا إلا ليغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، فإذا ما وَقَعَ العبدُ في معصيةٍ، ثم تاب منها إلى الله، وتركها حياءً من الله، أحبَّه اللهُ، وهكذا بقيةُ الأسماءِ والصفاتِ التي تَتَنَاسَبُ مَعَ حال العَاصِي، وتوبته؛ وهو - سبحانه - القائل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53]، وقال تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:110]، وقد جاء جماعة وقالوا للنبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: 68] ونحن دعونا غير الله، وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام: 151]، ونحن قتلنا، وقال: {وَلَا يَزْنُونَ} [الفرقان: 68]، ونحنُ وَقَعْنا في الزِّنا، فَنَزَلَتْ رَحْمَةُ الرَّحِيمِ بِقَوْلِهِ: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70]، فالتائبُ من الذنبِ كَمَن لا ذنبَ له، وهو - سبحانه - يفرحُ بتوبةِ عبدِهِ حين يتوبُ إليه، ولن يَعْدِمَ الناسُ من ربٍّ يَفْرَحُ بتوبةِ العُصاةِ خيرًا، ومعرفة هذه النصوص الشريفة تقوي الحياء في القلب من الله الودود الرحيم.

ثانيا: الحذر من الاختلاء بالنفس، والبعد عن كل أمر يسهل عليك المعصية والتي من أخطرها الوحدة، فالاندِماج في المُجْتمع بالأعمال التي تَشْغَلُه عن التَّفكير في الجنس، وتَخَيُّر الأصدِقاء المستقيمين ممن تتوسَّم فيهم الخير والصلاح؛ فإن هذا من أعظمِ ما يُعين على الحقِّ، ومن المعلومِ أن من خالطَ أهل الحقِّ صارَ منهم، والصاحب ساحب.

ثالثًا: ، فانشِغل بالعبادة عامَّة، وعدم الاستِسْلام للخطرات والأفكار، فإذا خدعك الشيطان مرة وأوقعك في مشاهدة الحرام، فكن متيقظًا في المرات التالية، فالمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، ولا يقع المسلم في معصية إلا باتباع خطوة أو خطوات للشيطان، ومن ثمَّ حذرنا أخبر الصادقُ المصدوقُ من التعرَّض للفتن، وأمر بالفرّارَ منها؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ستكون فِتَنٌ، القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ مِن الماشي، والماشي فيها خيرٌ مِن الساعي، من تَشَرَّف لها تستشرفْه، فمَن وجَد فيها ملجأً أو معاذًا، فليَعُذ به))؛ أي: مَن نظَر إلى الفتن أهلكتْه.

كما يجب الهرَبُ من مَظان الفتن، والبُعد عنها، مهما كانتْ درجةُ وُضوح الشر فيها؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن سمع بالدجال فلْيَنْءَ عنه؛ فواللهِ إنَّ الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه مما يبعث به مِن الشبُهات، أو لما يبعث به مِن الشبهات))؛ رواه أحمد وأبو داود.

فتأمَّلْ هذا الحديث العجيب فعلى الرغم من جلاء الحق؛ فالدجالُ الذي يدعي الألوهية وهو شابٌّ قصيرٌ، أفحج جعد الرأس، أجلى الجبهة، ممسوح العين اليمنى، كأنها عنبة طافئة، وهو مكتوب بين عينيه كافر، نسأل الله السلامة.

رابعًا: السبب الأول في العود للمعصية هو تعرض لها، فما استُعين على التخلص من المعصية بمِثْل البعد عن أسبابها ومظانها، وتأمَّل معي ما رواه الإمام أحمد عن النواس بن سمعان الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ضرَب الله مثلاً صراطًا مستقيمًا، وعلى جنبتي الصراط سوران، فيهما أبوابٌ مفتحةٌ، وعلى الأبواب سُتورٌ مُرخاة، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعًا، ولا تتعرَّجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد أن يفتح شيئًا من تلك الأبواب، قال: ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلِجْه، والصراطُ الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق الصراط: واعظ الله في قلب كل مسلم)).

خامسًا: تحصيل اليقين في الله تعالى والتوكل عليه بإدمان الذكر وقراءة القرآن بتدبر فذلك يقوى القلب، والمواظبة على قول: لا حول ولا قوة إلا بالله فإن بها تكابد الأهوال وتنال رفيع الدرجات، والحفاظ على أداء العبادات المشروعة.

سادسًا: مُطالَعَةِ الكُتُبِ المفيدة، وَسَماعِ المواد الصوتية النافعة، وهي سيلةٌ نافعةٌ ميسورةٌ وهي متوافرةٌ عَلَى مَوَقِعَ طريق الإسلام.

هذا؛ والله أعلم.