بيع وشراء الذهب عبر الانترنت وشركات الشحن
خالد عبد المنعم الرفاعي
يجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة، سواء كان البيع حالاً أو مؤجلاً ما لم يقصد كونها ثمناً
- التصنيفات: فقه المعاملات - الربا والفوائد -
السلام عليكم هل يجوز شراء ذهب من معلن على الانترنت يقيم بجدة وأنا أقيم بالرياض عن طريق شركة شحن وتحويل القيمة المالية؟ أم لا ؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ
فللجواب على تلك المسألة، أعني هل يجوز تأخير القبض في بيع شراء المشغولات الذهبية؟ يجب تحرير مسألة هامة وهي أن الذهب المصنع أصبح بعد التصنيع جنسًا آخر أشبه بسائر السلع كالثياب، ولم يعد جنساً ربوياً وزال عنه علة الثمنية الموجود في سبائك الذهب، مثل الأجناس المصنعة من القمح كالخبز والمكرونة وغيرها، فقد زالت عنها علة الربا بالتصنيع، ومن ثمّ يجوز بيعها متفاضلا ونسيئة، والذي يظهر من مقاصد الشريعة الإسلامية ورعايتها لمصالح الخلق بالعدل أن المشغولات الذهبية تعامل معاملة الثياب وغيرها وهو ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الاختيارات للبعلي" (ص: 112) حيث قال:
"وما خرج عن القوت بالصنعة فليس بربوي ولا بجنس نفسه؛ فيباع خبز بهريسة وزيت بزيتون وسمسم بشيرج
ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصنعة، سواء كان البيع حالاً أو مؤجلاً ما لم يقصد كونها ثمناً". اهـ
وقال أيضا في "الفتاوى الكبرى"(5/ 391-392)
"والعلة في تحريم ربا الفضل الكيل أو الوزن مع الطعم، وهو رواية عن أحمد، ويجوز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه من غير اشتراط التماثل، ويجعل الزائد في مقابلة الصيغة ليس بربا ولا بجنس بنفسه، فيباع خبز بهريسة وزيت بزيتون، وسمسم بشيرج، والمعمول من النحاس والحديد إذا قلنا: يجري الربا فيه يجري في معموله؛ إذا كان يقصد وزنه بعد الصنعة كثياب الحرير والأسطال ونحوها وإلا فلا، وهو ثالث أقوال أهل العلم". اهـ.
وقد أطال الإمام ابن القيم النفس في نصرة هذا القول، واستدل له بالمعقول والمنقول؛ فقال - في معرض كلامه عن حكمة إباحة العرايا ونحوها - وهو بيع الرطب بالتمر- في كتابه "إعلام الموقعين" (2/ 107- 111)
" وأما ربا الفضل فأبيح منه ما تدعوا إليه الحاجة كالعرايا؛ فإن ما حُرِّم سدًا للذريعة أخف مما حرم تحريم المقاصد، وعلى هذا فالمصوغ والحلية إن كانت صياغته محرمة كالآنية حرم بيعه بجنسه وغير جنسه.
وأما إن كانت الصياغة مباحة كخاتم الفضة وحِلية النِّساء وما أُبيح من حلية السلاح وغيرها، فالعاقل لا يبيع هذه بوزنها من جنسها فإنه سَفَهٌ وإضاعة للصنعة، والشارع أحكم من أن يُلْزم الأُمَّة بذلك، فالشريعة لا تأتي به، ولا تأتي بالمنع من بيع ذلك وشرائه لحاجة الناس إلى ذلك؛ فلم يبق إلا أن يُقال: لا يجوز بيعها بجنسها ألبتَّة، بل يبيعها بجنس آخر، وفي هذا من الحرج والعُسْر والمشقة ما تتقيه الشريعة؛ فإن أكثر الناس ليس عندهم ذهب يشترون به ما يحتاجون إليه من ذلك، والبائعُ لا يسمحُ ببيعه ببُر وشعير وثياب؛ وتكليف الاستنصاع لكل من احتاج إليه إما متعذر أو متعسر، والحِيَلُ باطلة في الشرع وقد جوز الشارع بيع الرطب بالتمر لشهوة الرطب، وأين هذا من الحاجة إلى بيع المصوغ الذي تدعو الحاجة إلى بيعه وشرائه؛ فلم يبق إلا جواز بيعه كما تُباع السلع؛ فلو لم يجز بيعه بالدراهم فسدت مصالح الناس، والنصوص الواردة عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ليس فيها ما هو صريح في المنع، وغايتها أن تكون عامة أو مطلقة، ولا ننكر تخصيص العام وتقييد المطلق بالقياس الجلي، وهي بمنزلة نصوص وجوب الزكاة في الذهب والفضة، والجمهور يقولون: لم تدخل في ذلك الحلية، ولا سيما فإن لفظ النصوص في الموضعين قد ذكر تارة بلفظ الدراهم والدنانير كقوله: (الدرهم بالدرهم، والدينار بالدينار)، وفي الزكاة قوله: (وفي الرِّقَةِ رُبْع العشر).
والرِّقة: هي الوَرِق وهي الدراهم المضروبة، وتارة بلفظ الذهب والفضة؛ فإن حمل المطلق على المقيد كان نهيًا عن الربا في النقدين وإيجابًا للزكاة فيهما، ولا يقتضي ذلك نفي الحكم عن جملة ما عداهما، بل فيه تفصيل؛ فتجب الزكاة ويجري الربا في بعض صوره لا في كلها، وفي هذا توفية الأدلة حقها، وليس فيه مخالفة بشيء لدليل منها.
يوضحه: أن الحلية المُباحة صارت بالصّنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع، وإن كانت من غير جنسها، فإن هذه بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان، وأُعدِّت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها، ولا يدخلها: (إما أن تقضي وإما أن تُرْبِي)، إلا كما يدخل في سائر السِلَع إذا بِيعت بالثمن المؤجل، ولا ريب أن هذا قد يقع فيها، لكن لو سُدَّ على الناس ذلك لسُدَّ عليهم باب الدَّيْن، وتضرروا بذلك غاية الضرر.
يوضحه أن الناس على عهد نبيهم -صلى اللَّه عليه وسلم- كانوا يتخذون الحلية، وكانت النساء تلبسها، وكُنَّ يتصدقن بها في الأعياد وغيرها؛ ومن المعلوم بالضرورة أنه كان يعطيها للمحاويج، ويعلم أنهم يبيعونها؛ ومعلوم قطعًا أنها لا تُباع بوزنها فإنه سفه، ومعلوم أن مثل الحلقة والخاتم والفتخة لا تساوي دينارًا، ولم يكن عندهم فلوس يتعاملون بها، وهم كانوا أتقى للَّه وأفقه في دينه وأعلم بمقاصد رسوله من أن يرتكبوا الحيل أو يُعلِّموها الناس... إلخ". اهـ. موضع الحجة منه مختصرًا، وينصح قراءة البحث لأخره.
وعليه؛ فيجوز لك شراء المشغولات الذهبية بالصورة المذكورة والله أعلم.