السفر للدراسة بدون إذن الأهل
خالد عبد المنعم الرفاعي
السلام عليكم .. انا طالب مصري حصلت علي منحة للدراسة في تركيا العام الماضي وبالفعل ذهبت وقاربت علي الانتهاء من السنة التحضرية للغة هذا الشهر.. ولكن عند عودتي للاحازة بضعة ايام .. قال لي الاهل انهم لن يسمحوا لي بالسفر لاكمال تعليمي في تركيا وان علي اكمال تعليمي في مصر .. بدون اي سبب مقنع .. من المعلوم الوضع في مصر سواء التعليمي او الاقتصادي او الظلم ... وثانيا انا وضحت لهم انا لا اريد دراسة القسم الذي أريده في تركيا "علوم سياسية"ولا اريد دراسة الحقوق في مصر .. ولو بقيت لن افلح لانه مجال لا أريده وسوف اضيع عمري فيه... ولكنهم اصروا علي ما أرادوا فهل لو سافرت بدون علمهم لتكملة دراستي في تركيا والفرار بنفسي وديني في ظل هذا المناخ في مصر يعد عقوق لهم مع العلم اني حاولت معهم والحديث معهم اكثر من مرة ارجوا إجابة عاجلة وجزاكم الله خير
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ
فمن تأمل كلام أهل العلم أدرك أن ضابط طاعة الوالدين أن تكون: في غير معصية؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. رواه أحمد، قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة في المعروف)، وقال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يُؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة)؛ متفق عليهما.
وأن يكون لهما غرض صحيح فيما يأمران به، أو ينهيان عنه، وألا يكون في طاعتهما ضرر على الولد، وألا يتعنتا في استخدام حق الطاعة.
قال شيخ الإسلام في "الفتاوى الكبرى" (5/ 381)
"ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين، وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا، وإنما لم يقيده أبو عبد الله لسقوط الفرائض بالضرر وتحرم في المعصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"
وقال ابن حجر الهيتمي الفتاوى الفقهية الكبرى (2/ 129)
"إذا ثبت رشد الولد الذي هو صلاح الدين والمال معًا لم يكن للأب منعه من السعي فيما ينفعه دينًا أو دنيًا، ولا عبرة بريبة يتخيلها الأب مع العلم بصلاح دين ولده وكمال عقله.
لا نظر لكراهة الوالد له حيث لا حامل عليها إلا مجرد فراق الولد؛ لأن ذلك حمق منه، وحيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق لم يلتفت إليه، أخذًا مما ذكره الأئمة في أمره لولده بطلاق زوجته.
وكذا يقال في إرادة الولد لنحو الزهد، ومنع الوالد له أن ذلك إن كان لمجرد شفقة الأبوة فهو حمق وغباوة، فلا يلتفت له الولد في ذلك.
وأمره لولده بفعل مباح لا مشقة على الولد فيه يتعين على الولد امتثال أمره، إن تأذى أذى ليس بالهين إن لم يمتثل أمره، ومحله أيضا حيث لم يقطع كل عاقل بأن ذلك من الأب مجرد حمق وقلة عقل، لأني أقيد حل بعض المتأخرين للعقوق بأن يفعل مع والده ما يتأذى به إيذاء ليس بالهين، بما إذا كان قد يعذر عرفًا بتأذيه به، أما إذا كان تأذيه به لا يعذره أحد به؛ لإطباقهم على أنه إنما نشأ عن سوء خلق وحدة حمق وقلة عقل فلا أثر لذلك التأذي، وإلا لوجب طلاق زوجته لو أمره به ولم يقولوا به.
فإن قلت لو ناداه وهو في الصلاة اختلفوا في وجوب إجابته، والأصح وجوبها في نفل؛ إن تأذى التأذي المذكور، وقضية هذا أنه حيث وجد ذلك التأذي ولو من طلبه للعلم أو زهده أو غير ذلك من القُرب لزمه إجابته، قلت هذه القضية مقيدة بما ذكرته: إن شرط ذلك التأذي ألا يصدر عن مجرد الحمق ونحوه كما تقرر، ولقد شاهدت من بعض الآباء مع أبنائهم أمورًا في غاية الحمق التي أوجبت لكل من سمعها أن يعذر الولد، ويخطئ الوالد، فلا يستبعد ذلك.
وبهذا يعلم أنه لا يلزم الولد امتثال أمر والده بالتزام مذهبه؛ لأن ذاك حيث لا غرض فيه صحيح مجرد حمق، ومع ذلك كله فليحترز الولد من مخالفة والده فلا يقدم عليها اغترارًا بظواهر ما ذكرنا، بل عليه التحري التام في ذلك والرجوع لمن يثق بدينهم وكمال عقلهم؛ فإن رأوا للوالد عذرًا صحيحاً في الأمر أو النهي وجبت عليه طاعته، وإن لم يروا له عذرًا صحيحًا لم يلزمه طاعته، لكنها تتأكد عليه حيث لم يترتب عليها نقص دين الولد وعلمه أو تعلمه.
والحاصل أن مخالفة الوالد خطيرة جدا فلا يقدم عليها إلا بعد إيضاح السبب المجوز لها عند ذوي الكمال، وقد علم مما قررته حد البر والعقوق فتأمل ذلك فإنه مهم". اهـ. مختصرًا.
وقال الحافظ ابن الصلاح في فتاويه: "العقوق المحرم كل فعل يتأذى به الوالد، أو نحوه تأذيًا ليس بالهين، مع كونه ليس من الأفعال الواجبة، وربما قيل: طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية، ومخالفة أمرهما في كل ذلك عقوق، وقد أوجب كثير من العلماء طاعتهما في الشبهات، وليس قول من قال من علمائنا يجوز له السفر في طلب العلم وفي التجارة بغير إذنهما مخالف لما ذكرتُ؛ فإن هذا كلام مطلق وفيما ذكرته بيان لتقييد ذلك المطلق".
إذا تقرر هذا، فإن كان رفض والديك سفرك لتركيا يشق عليك، ويعرضك للضرر بفوات تلك الفرصة، وليس عندهم سبب مقبول عقلاً - فلك أن تسافر بدون إذنها، خصوصًا وقد أجاز الأئمة - كما مرّ بنا – السفر للتجارة أو لطلب العلم بغير إذنهما، بالإضافة أن دراستك للحقوق في بلدك عديمة الفائدة من الناحية الشرعية والعملية، وأيضًا ما ذكرته من أسباب تجعلك ترغب في السفر هي في الحقيقة أسباب وجيهة وواقعية، ولها أثر في الحكم.
وأما إن كان منعهما لك من السفر ليس تعنتًا في استخدام الحق، ولكن خوفًا عليك من فتنة الشهوات أو الشبهات، أو لغلبة ظنهما حصول مفسدة لك في نفسك أو دينك، فينظر إن كان الواقع يشهد لكلامهما - فيجب عليك حينئذ عدم السفر إلا بإذنهما،، الله أعلم.