المصافحة

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال: السلام عليكم ورحمة الله عندى سؤال انا طالبة .واثناء حفلات التكريم سواء من المدرسة او الجامعة عند تسلم الجائزة اضطر لمصافحة الاساتذة وهكذا بالطبع دون وجود اى فرصة للشهوة وغير ذلك من ما يحرم المصافحة . ايضا والدى تربى فى منزل خاله ولهذا فان ابناء خاله كإخوانه اى كأعمامى ولهذا اصافحهم ايضا واصافح خاله لانه كجدى ولا استطيع تجنب ذلك . هناك ايضا زوج خالتى انه كوالدى واصافحه ايضا.. فهل انا مذنبة ؟انا بالطبع اتجنب مصافحة من يقربوننى سنا تجنبا للفتنة منهم او منى او حتى مع عدم وجود فتنة. ولكن من يكبروننى فى السن كاساتذتى واقاربى فماحكم مصافحتهم ؟ مع تاكيد مرة اخرى على عدم وجود مجال للشهوة او الفتنة سواء منهم او منى اعتذر ولكن اريد ردا يسهل فهمه لقد قرات رأى المذاهب الاربعة ومما فهمته فقد جاءت بالتحريم من دون استثناء وقرات اراء اخرى تؤكد التحريم اذا كانت المصافحة سببا لفتة انا لو لم تكن هناك شهوة نتيجة للمصافحة من الطرفين فإنها محل خلاف وان لفظ المس فى حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذى اوله "لان يطعن فى رأس احدكم بمخيط....." -عفوا-ولكن يقصد به الجماع او مادونه وليس تلامس البشرة عند المصافحة فقط مثل لفظ اللمس فى القران "من قبل ان تمسوهن "وايات اخرى. اعتذر على الاطالة ولكن ان جاء رد حضراتكم بتحريمه فساحاول تجنب المصافحة بقدر الامكان ولكن ساظل اصافح الذين ذكرتهم فهل يجوز لى ان استغفر فورا بعد مصافحتهم ؟
الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فيباح للبنت أن تصافح أخوال وأعمام والدها ووالدتها لأنهم أخوال وأعمام لها، فخال الأب خالٌ لبناتِه، ولذريته ما تناسلوا وتعاقبوا، وكذلِك عمُّه عمٌ لهنَّ؛ وذلك لعموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ}[النساء: 81]، فالخال محرم لبنات الأخت مهما نزلت درجاتهم؛ يريان منهنَّ ما يرى المحرم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى": "فدخل في "الأمهات" أم أبيه وأم أمه، وإن علت، بلا نزاع أعلمه بين العلماء، وكذلك دخل في "البنات" بنت ابنه وبنت ابن ابنته وإن سفلت، بلا نزاع أعلمه، وكذلك دخل في "الأخوات" الأخت من الأبوين والأب والأم، ودخل في "العمات" و"الخالات" عمات الأبوين وخالات الأبوين، وفي "بنات الأخ والأخت" ولد الإخوة وإن سفلن". اهـ.

أما مُصافَحة المرأة للرجال من غير المحارم، فقد اتَّفق عامَّةُ عُلماء الأمَّة: من السَّلف والخَلَف؛ من الفُقَهاء والمُفسِّرين وأهل الحديث وغيرهم على تحريم ذلك، ولم يُعرَف لهم مُخالِف على مَرِّ العصور والأزمان، إلَّا ما قاله به بعض المعاصرين من أقول شاذٍّ بجواز مُصافَحة المرأة الأجنبيَّة عند أمن الفتة، وما دفعهم لمخالفة علماء الأمة إلا الانهزام النفسي أما ضغط الواقع.

 وسنَذكُر بعض أقوال عُلَماء المذاهب المُتَّبَعة في أرجاء المعمورة؛ ليَعلَم القارئ الكريم أنَّ غيرَها شذوذٌ لا يُلتَفت إليه:

 أوَّلًا: مذهب الحنفية:

قال صاحب كتاب "الهداية": "ولا يَحِلُّ له أن يَمَسَّ وجهها ولا كَفَّيها وإن كان يَأمَنُ الشَّهوة ". وقال صاحب "الدُّرِّ المُختار": "فلا يَحِلُّ مَسُّ وجهها وكفِّها وإن أَمِن الشَّهوة".

ثانيًا: مذهب المالكية:

 قال الإمام ابن العربي (المالكي) - عند قوله تعالى : {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا} [الممتحنة: 12] -: "عن عروة عن عائشة قالت: "ما كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَمتَحِن إلا بهذه الآية: {إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ}"، قال مَعمَر: "فأخبرني ابن طاووس عن أبيه قال: "ما مَسَّت يده يد امرأة إلا امرأة يَملِكُها". وعن عائشة أيضًا في "الصحيح": "ما مَسَّت يدُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يد امرأةٍ، وقال: ((إنِّي لا أُصافِح النِّساء، إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة))"، وقد رُوي أنَّه صافَحهُن على ثوبه. ورُوِي أن عمر صافَحهُن عنه، وأنه كَلَّف امرأة وَقَفَت على الصَّفا فبايَعَتهُن، وذلك ضعيف وإنما يَنبغي التَّعويل على ما رُوِي في "الصحيح"".

وقال الإمام الباجِيُّ في "المُنتَقى": "وقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي لا أُصافِح النساء))؛ [يريد:] لا أباشر أيديهن بيدي، يريد - والله أعلم - الاجتناب؛ وذلك أنَّ حُكم مُبايَعة الرِّجال المُصافَحَةُ، فمَنَع ذلك في مُبايَعة النِّساء؛ لما فيه من مُباشَرَتهن".

ثالثًا: مذهب الشافعية:

 قال الإمام النووي - الشافعي - في "المجموع": "وقد قال أصحابُنا: كلُّ من حَرُم النَّظرُ إليه حَرُم مَسُّه، بل المسُّ أشدُّ؛ فإنه يَحِلُّ النَّظر إلى الأجنبية إذا أراد أن يَتَزوَّجها، وفي حال البيع والشراء والأخذ والعطاء ونحو ذلك، ولا يجوز مسُّها في شيء من ذلك". وقال أيضًا في شرحه على "مسلم": "فيه أن بَيْعَة النِّساء بالكلام، وفيه أنَّ كلام الأجنبيَّة يُباح سماعُه عند الحاجة، وأنَّ صوتَها ليس بعورةٍ، وأن لا يَلمَس بَشَرة الأجنبيَّة من غير ضرورة؛ كتَطبيبٍ وفَصْد".

 رابعًا: مذهب الحنابلة:

 قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية في "مجموع الفتاوى" : "ويَحرُم النَّظر بشهوة إلى النساء والمُردان، ومن استحلَّه كَفَر إجماعًا، ويَحرُم النَّظر مع وجود ثَوَران الشَّهوة وهو مَنصوصُ الإمام أحمد والشافعي ... وكل قسم متى كان معه شهوةٌ كان حرامًا بلا ريب، سواء كانت شهوةً تُمتِّع النَّظر أو كانت شهوةَ الوَطء، واللَّمسُ كالنَّظر وأَولى".

وقال ابن مُفْلِح في "الفروع": "فتصافِحُ المرأةُ المرأةَ، والرَّجلُ الرَّجلَ والعجوز والبَرْزَة غيرُ الشابَّة فإنه يَحرُم مصافحتُها، ذكره في "الفصول" و"الرِّعاية"". وقال في "كشاف القناع": "سُئل أبو عبد الله عن الرجل يُصافِح المرأة قال: "لا"، وشدَّد فيه جدًّا، قلت: "فيُصافِحها بثوبه؟" قال: "لا"، قال رجل: "فإن كان ذا رَحِم"، قال: "لا"، قلت: "ابنته" قال: "إذا كانت ابنته فلا بأس"، والتَّحريم مُطلقًا اختيار الشيخ تقي الدِّين، ويتوجَّه التَّفصيل بين المُحرَّم وغيره، فأما الوالد فيجوز؛ قاله في "الآداب"".

 ومن هذه النُّقول يَتبيَّن أن انتشار مُصافَحَة النساء الأجنبيَّات من المُنكَرات التي تَفشَّت بين الناس، وأصبح المُنكِر لها يُنظَر إليه على أنه سَيِّئ النِّيَّة، أو أنه مُتشدِّد في الدِّين. وقد وَرَد الوَعيد الشَّديدُ على فاعل ذلك؛ فعن مَعقِل بن يَسارٍ - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لأن يُطْعَن أحدُكم بِمخيَط مِن حَديدٍ خيرٌ له مِن أن يَمَسَّ امرأةً لا تَحِلُّ له))؛ أخرجه الطبراني ورجاله ثِقات، وكذا رواه البيهقي. وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "والله ما أخذ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - النِّساء قطُّ إلَّا بما أمره الله تعالى، وما مَسَّت كَفُّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كَفُّ امرأةٍ قطُّ"

اتفق الفقهاء على حرمة لمس الأجنبية ، إلا إذا كانت عجوزا لا تشتهى فلا بأس بالمصافحة.

وعليه، فيحرم عليك مصافحة الرجال من غير المحارم بغير خلاف بين الفقهاء، ويستثنى من ذلك الرجل العجوز الذي لا يشتهى،، والله أعلم.