زوجتي تعامل الناس بقسوة

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم . تزوجت من ٨ سنوات واكرمنى بزوجة بها كثير المميزات والحمد لله . ولكن تمتلك مشكلة تجعلنى استشاط غضبا وهى معاملة الناس بالقسوة . على سبيل المثال اذا لم يزرها احد فى مرضها تقوم بالقطيعة فورا . بالنسبة لى من اهم اهدافى النجاح فى الناحية الاجتماعية واستخدام الذكاء العاطفى فى كسب ود كل الناس . واختلاف تلك الطبيعة تجعلنا كلا من يمشى فى اتجاه معاكسالأول هجران وخصام والاخر مجامله وود . فتلك المشكلة حاولت ان احلها كثيرا بالاقناع ولكن فشلت . فهل من الواجب ان اجبر زوجتى على ان تقوم بوصل كل من تعتبرهم اعداء لها ؟ام هى تتحمل جزاء القطيعة فى الدنيا والآخرة؟

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فإن المسلم لا يملك أن يجبر زوجته أو أبناءه على خلق معين، وإنما عليه النصح والصبر، فتغير القناعات والأفكار ليس بالأمر الهين وإنما يتطلب جهدًا وصبرًا؛ وتأمل ما قاله تعالى في شأن الهداية، وأنها ليست لأحدٍ مِن خلق الله، وإنما هو لله تعالى وحده، فهو سبحانه الهادي لمن يشاء، والمُضلُّ لمن يشاء بعلمِه وحكمَتِه وعدلِه؛ قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [يونس: 100]، واللهُ تعالى يَعدِل بين عباده في هداية مَن هدى، وإضلال مَن أَضَلَّ؛ قال تعالى: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا} [الرعد: 31]، هذا على الرغم من أن الظهور في شأن الهداية يعلمه كل أحد من نفسه.

وكون الزوج مسؤولاً عن تقويم زوجته الديني والخلقي، لا يعني أن يقهرها على ذلك، وإنما هو التقويم والنصح والدعوة للخير، والنصح بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس من شأنه أمرَ القبول كما قال تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية: 21، 22].

ولعل بالملاطفة والممازحة والمصادقة والصبر عليها ومعاملتها بالحسنى وتجنَّبي الغضب والمشاجرات ما استطعتِ، تتعدل أحوالها.

وتأمل ما قاله صاحب الظلال(4/2202) في ظلال قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل: 125]:

"وبالموعظة الحسنة التي تدخل إلى القلوب برفق، وتتعمق المشاعر بلطف، لا بالزجر والتأنيب في غير موجب.
ولا بفضح الأخطاء التي قد تقع عن جهل أو حسن نية. فإن الرفق في الموعظة كثيراً ما يهدي القلوب الشاردة، ويؤلف القلوب النافرة، ويأتي بخير من الزجر والتأنيب والتوبيخ.
وبالجدل بالتي هي أحسن. بلا تحامل على المخالف ولا ترذيل له وتقبيح. حتى يطمئن إلى الداعي ويشعر أن ليس هدفه هو الغلبة في الجدل، ولكن الإقناع والوصول إلى الحق. فالنفس البشرية لها كبرياؤها وعنادها، وهي لا تنزل عن الرأي الذي تدافع عنه إلا بالرفق، حتى لا تشعر بالهزيمة. وسرعان ما تختلط على النفس قيمة الرأي وقيمتها هي عند الناس، فتعتبر التنازل عن الرأي تنازلاً عن هيبتها واحترامها وكيانها. والجدل بالحسنى هو الذي يطامن من هذه الكبرياء الحساسة. ويشعر المجادل أن ذاته مصونة، وقيمته كريمة، وأن الداعي لا يقصد إلا كشف الحقيقة في ذاتها، والاهتداء إليها. في سبيل الله، لا في سبيل ذاته ونصرة رأيه وهزيمة الرأي الآخر!".

هذا؛ والله أعلم.