هل تجري الكفارة في القتل العمد

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

شيخنا الفاضل ارجوا عدم اهمال الإجابة بالله عليك شخص قريبى اخبرنى بألامس أن عمه قتل غدرا فأخذ والده على نفسه أن ينتقم من كل الذين اشتركوا فى قتله وكانوا تقريبا ٧ اشخاص وبالفعل قتلهم كلهم تقريبا ماعدا واحدا منهم لأسباب ما غير مهمه هذه الحادثه كانت فى عام١٩٥٦ المهم أن قريبي اخبرنى أنه كان فى عمر السادس عشر عندما أجبره والده وأصر عليه أن يقتل أحد هؤلاء الاشخاص بالفعل اخبرنى أنه اشترك فى قتله مع شخص آخر وبالفعل قتلاه ليلا فى أرضه الزراعية واخبرنى أيضا أن والده قتل أحد هولاء السبعة ولكنه لم يمت فى الحال ولكنه ظل يجرى بعدما أصيب بطلق فى بطنه وقال لى قدرا أنه وقع أمامه أثناء وجوده فى أرضهم فأصرعليه والده أن يأخذ الفأس ويضربه على رأسه وفعلا نفذ كلام أبيه وقال لى لم أستطع أن أرفض كلامه ساعتها ،،قريبي هذا عمرة الان تجاوز ٧٥ عام وهو نادم على ما فعل ولكن يسأل هل هناك أى كفارة أو أى شيء يفعله ليغفر له الله هذه الكبائر،،عذرا على الإطالة و لكن لأهمية الموضوعافتونا أثابكم الله وجزاكم الله خيرا

الإجابة:

الحمد لله، والصلاةوالسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد

فإن القتل العمد من أكبر الكبائر، وفاعله متوعد بالعقاب الشديد والعذاب الأليم في الآخرة، قول الله عز وجل {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } [النساء: 93]، وقال صلى الله عليه وسلم قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم"، وروى البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  "لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دما حرامًا".
والقتل العمد ليس فيه كفارة، إنما فيه الدية أو القتل أو العفو، فهو أعظم من أن يبرأ الإنسان منه بالكفارة، وقد أوجب الله في كتابه كفارة القتل الخطأ، ثم ذكر في الآية الثانية القتل العمد، ولم يوجب فيه كفارة، ولو كانت الكفارة فيه واجبة لبينها وذكرها، فكان عدم ذكرها دليلاً على أنه لا كفارة فيه.

قال الإمام ابن القيم في كتاب "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي" ( 113)
" ثم إنه سبحانه جعل الذنوب ثلاثة أقسام:
قسمًا فيه الحد، فهذا لم يشرع فيه كفارة اكتفاء بالحد.
وقسما لم يرتب عليه حدًا، فشرع فيه الكفارة، كالوطء في نهار رمضان، والوطء في الإحرام، والظهار، وقتل الخطأ، والحنث في اليمين وغير ذلك.
وقسما لم يرتب عليه حدا ولا كفارة، وهو نوعان:
أحدهما: ما كان الوازع عنه طبيعيا، كأكل العذرة، وشرب البول والدم.
والثاني: ما كانت مفسدته أدنى من مفسدة ما رتب عليه الحد، كالنظر والقبلة واللمس والمحادثة، وسرقة فلس، ونحو ذلك.
الكفارات في ثلاثة أنواع
وشرع الكفارات في ثلاثة أنواع:
أحدها: ما كان مباح الأصل، ثم عرض تحريمه فباشره في الحالة التي عرض فيها التحريم، كالوطء في الإحرام والصيام، 

النوع الثاني: ما عقد لله من نذر أو بالله من يمين، أو حرمه الله ثم أراد حله، فشرع الله سبحانه حله بالكفارة وسماها نحلة.
النوع الثالث: ما تكون فيه جابرة لما فات، ككفارة قتل الخطأ، وإن لم يكن هناك إثم، وكفارة قتل الصيد خطأ، فإن ذلك من باب الجوابر، والنوع الأول من باب الزواجر، والنوع الوسط من باب التحلة لما منه العق". اهـ. مختصرًأ.

وقال أيضًا في "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (2/ 76):
"وما كان من المعاصي محرم الجنس كالظلم والفواحش، فإن الشارع لم يشرع له كفارة، ولهذا لا كفارة في الزنا وشرب الخمر وقذف المحصنات والسرقة، وطرد هذا أنه لا كفارة في قتل العمد ولا في اليمين الغموس، كما يقوله أحمد وأبو حنيفة ومن وافقهما، وليس ذلك تخفيفًا عن مرتكبهما، بل لأن الكفارة لا تعمل في هذا الجنس من المعاصي، وإنما عملها فيها فيما كان مباحًا في الأصل وحرم لعارض، كالوطء في الصيام والإحرام".

إذا تقرر هذا، فالواجب على ذلك الرجل التوبة من القتل، التوبة النصوح تكون بالندم على ما كان، والاستغفار، وإن استطاع   التحلل من أولياء الدم.

هذا؛ ومما يدل قبول التوبة الصادقة من القتل العمد قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 68 - 70]، ونحوها من الآيات.

وكذلك حديث الرجل الذي قتل مائة نفس، فلما تاب وهاجر إلى الأرض الطيبة، قبضته ملائكة الرحمة،، والله أعلم.