هل تقبل توبة المرتد ثلاث مرات

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال: في فتوى لكم قلتم ان المرتد ثلاث مرات لا يكون إيمانه قوي لكن اذا شخص ارتد اكثر من ثلاث مرات وإيمانه اصبح اقوى فهل تقبل توبته ويتم تكلفتها احكام ظاهرية ؟ أما عن الزنديق فهل اذا كان شخص خائف من الوساوس او من أقوال تجعله يرتد فهو لا يريد النطق بالشهادتين حتى يرجع الصلاة فهل ا يعتبر زنديق وهو يتظاهر بالإسلام ولكن من داخله هو يخاف الله لكن لا يريد النطق لكي لا يرتد مرة واحدة اخرى ؟
الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمَّا بعد:

فالذي يظهر أن السائل الكريم قد اشتبه عليه كلامنا في عدم قبول توبة الزنديق قضاء أي في ظاهر الحكم، وليس فيما بينه وبين الله، حيث إنها تقبل مطلقًا، والزنديقهو الذي تتكرر منه الردة، وكلما قدر عليه يقول قد تبت.

أما توبة المرتد فتقبل مطلقًا ظاهرًا وباطنًا، ولا تحد بعدد محدد، ولا أعلم خلافًا في هذا بين الأئمة المتبعين، وقد دل القرآن الكريم على أن الله يوم القيامة يعذب نفوسًا لم يغفر لها كذبت بآياته واستكبرت وكانت من الكافرين، ومثل هذه الذنوب غفرها الله لآخرين لأنهم تابوا منها، وتوبة الكافر وإن كان قد ارتدّ ثم عاد إلى الإسلام مقبولة؛ في غير موضع كقوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 86] ثم استثنى سبحانه من تاب؛ فقال سبحانه: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 89]، قال الله تعالى:{نَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا } [النساء: 137]أي ماتوا على كفرهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (16/ 29):
 "قال مجاهد وغيره من المفسرين: ا{ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا}: ثبتوا عليه حتى ماتوا، قلت: وذلك لأن التائب راجع عن الكفر، ومن لم يتب فإنه مستمر يزداد كفرًا بعد كفر، فقوله: {ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا}، بمنزلة قول القائل ثم أصروا على الكفر واستمروا على الكفر وداموا على الكفر، فهم كفروا بعد إسلامهم ثم زاد كفرهم ما نقص، فهؤلاء لا تقبل توبتهم وهي التوبة عند حضور الموت؛ لأن من تاب قبل حضور الموت فقد تاب من قريب ورجع عن كفره فلم يزدد بل نقص؛ بخلاف المصر إلى حين المعاينة فما بقي له زمان يقع لنقص كفره، فضلاً عن هدمه... إلى أن قال: والفقهاء إذا تنازعوا في قبول توبة من تكررت ردته أو قبول توبة الزنديق، فذاك إنما هو في الحكم الظاهر؛ لأنه لا يوثق بتوبته، أما إذا قدّر أنه أخلص التوبة لله في الباطن، فإنه يدخل في قوله: { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، ونحن حقيقة قولنا أن التائب لا يعذب لا في الدنيا ولا في الآخرة". اهـ.

هذا؛ والله أعلم.