هل الكفر يقع بالتفكير أو الوسوسة

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

انا احيانا عندما اكون أستعذ بالله وتتوقف وأفكر بشئ تأتيني وساوس أنني قد قلت شئ يكفر ؟ وأنا أكتب اخاف من اكون قد كفرت

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فمن رحمة الله تعالى بعباده المسلمين أنه لا يؤاخِذُهم بما يَقَعُ في القلب من الوَسَاوس مهما عظُمت؛ لأن ذلك ليس داخلًا تحت الاختيار، ولا الكسب، وهو فضيلة لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لهم بنص الخديث الصحيح، الذي رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَرْفَعُهُ قَالَ: "إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا وَسْوَسَتْ، أَوْ حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا، مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أَوْ تَكَلَّمْ".

فالشيطان يُشكِّك الإنسان في إسلامه، طمعًا في إضلاله، والدواءُ الناجعُ لهذا الداء، هو الإعراض عن الوساوس، وعدم الالتفات إليها؛لأنها ، ودفعُ الوساوس، وإبعادُها عن النَّفْسِ بقوة، وإهْمالُها، وقطعُ الاسترسال فيها، وعدمُ الالتفات إليها، أو الاستسلام لها - هو ما وصى به النبي  - صلى الله عليه وسلم – فيما رواه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: "يأتي الشَّيطانُ أحدَكُم فيقول: مَنْ خَلَقَ كذا من خلق كذا؟ حتَّى يقول : مَنْ خَلَقَ ربَّك؟ فإذا بلغَه فليَسْتَعِذْ بِالله وليَنْتَهِ"؛ والمعنى: إذا عَرَضَ له الوِسواسُ، فيلْجأْ إلى الله - تعالى - في دفعِ شرِّه، وليُعرضْ عن الفكر في ذلك، ولْيَعلمْ أن هذا الخاطر من وسوسةِ الشيطان، وهو إنما يسعى بالفساد، والإغراء؛ فلْيُعرِضْ عن الإصغاء إلى وسوسته، ولْيُبادرْ إلى قطعِها بالاشتغال بغيرها؛ قالهُ الإمامُ النوويُّ في "شرح صحيح مسلم".

وقال الإمام أبو العباس القرطبي في "المفهِم لما أُشكلِ من تلخيص كتابِ مُسلِم" (2 / 109): "ومعنَى هَذَا الحدِيثِ: أن هذه الإلقاءاتِ والوَسَاوس التي يُلقِيها الشيطانُ في صدور المؤمنين، تَنفِرُ منها قلوبُهم، ويعظُم عليهم وُقوعُها عندهم، وذلك دليلٌ على صحةِ إيمانِهم، ويقينِهم، ومعرفتِهم بأنها باطلةٌ، ومن إلقاءاتِ الشيطانِ، ولولا ذلك، لرَكَنوا إلَيْها، وَلَقَبلِوها، ولم تعظُم عندَهم، وَلَا سمَّوْها وَسوَسةً.

ولما كان ذلك التعاظُمُ، وتلك النُّفرةُ عن ذلك - الإيمانَ، عَبَّرَ عن ذلك بأنه خالصُ الإيمان، ومحضُ الإيمان، وذلك من باب تسمية الشيء باسم الشيء، إذا كان مجاوِرًا له، أو كان منه بسبب.

وقوله: "فليستَعِذْ بالله، ولْيَنْتَهِ": لمَّا كانت هذه الوَسَاوِسُ من إلقاءِ الشيطان، ولا قوةَ لأحدٍ بدفعِه إلَّا بمَعُونةِ الله - تعالى - وكفايته - أَمَرَ بالِالتجاءِ إليه، والتعويلِ في دفعِ ضَرَرِهِ عليه، وذلك معنى الِاستِعاذَةِ عَلَى ما يأتي، ثم عَقَّب ذلك بالأمرِ بالِانتِهَاءِ عن تِلكَ الوَسَاوِسِ والخَوَاطِرِ؛ أي: عن الِالتفاتِ إليْها، والإِصغاءِ نحوَها، بل يُعرِضُ عنْها، ولا يُبالي بها". اهـ

وقال ابن حجر الهيتمي: "للوسواس دواءٌ نافعٌ هو الإعراضُ عنه جملةً، وإن كان في النفس من التردُّد ما كان، فإنَّه متى لم يلتفِتْ لذلك، لم يثبُت، بل يذهبُ بعد زمن قليلٍ؛ كما جرَّب ذلك الموفَّقون، وأمَّا مَن أصغَى إليها، فإنَّها لا تزالُ تَزدادُ به حتَّى تُخْرِجه إلى حيِّز المجانين، بل وأقبحَ منهم؛ كما شاهدناه في كثيرٍ مِمَّنِ ابْتُلوا بِها، وأصغَوْا إليها، وإلى شيطانها". 

ومِمَّا يُعينك على دَفْعِ الوساوس والتغلُّبِ عليها:

1- صدق الالتجاء إلى الله - تعالى - بالدُّعاء، وإخلاص التوجه إليه: أن يُذهِبَ عنك هذا المرضَ ويدفعَه، وأن يرزقك اليقين.

2- الإكثار من قراءة القرآن بتدبُّرٍ، والمُحافظة على ذِكْرِ الله - تعالى - في كلِّ حال - لا سيَّما - أذكارِ الصَّباحِ والمساءِ، وأذكارِ النَّومِ والاستيقاظِ، ودخولِ المَنْزِل والخروجِ، ودخولِ الحمَّامِ والخروجِ منه، والتَّسميةِ عند الطعام، والحمدِ بَعدَه، وغير ذلك؛ فقد روى أبو يَعلى عن أنسٍ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ الشيطان وَضَعَ خَطْمَهُ عَلَى قلبِ ابْنِ آدَمَ، فإنْ ذَكَرَ الله خَنَسَ، وإن نَسِيَ التَقَمَ قلْبَه، فذلك الوَسواسُ الخنَّاس))، ومن أفضل الكتب الجامعة لذلك؛ كتابُ "الأذكار" للإمام النَّوويِّ.

3- الاستعاذةُ بالله من الشيطان الرجيم، والإعراضُ عن وسْوسَتِه، وقطعُ الاستِرْسال مع خُطُواته الخبيثة في الوسوسة؛ فذاك أعظمُ علاج؛ فالشيطان إذا وَسْوَسَ، فاستعذتِ بالله منه، وكفَفْتِ عن مطاوَلَتِهِ في ذلك، اندَفَعَ بإذن الله.

فعن عُثْمَان بْنِ أبي العاص قال: "يا رسول الله، إنَّ الشَّيطانَ قدْ حالَ بيْنِي وبيْنَ صلاتِي وقراءَتِي؛ يُلَبِّسُها عليَّ، فقال رسول الله - صلَّى الله علَيْهِ وسلَّم -: ((فإذا أحسَسْتَهُ، فتعوَّذْ بِالله منه، واتْفُلْ عن يَسارِك ثلاثًا))، قال: ففعلتُ ذلك، فأذهَبَهُ اللهُ عنِّي"؛ رواه مسلم.

4- الانشغالُ بالعُلوم النافعةِ، وحضورُ مَجالس العلمِ، ومُجالسةُ الصالحين، والحذَرُ من مُجالسةِ أصحاب السُّوء، أوِ الانفراد والانعِزَال عنِ الناس، ولْتعلَمي أن الشيطانَ يريدُ بوَسْوَسته إفسادَ الدين والعقل، ولذلك؛ ينبغي أن تجتهدي في دفعِها بالاشتغال بغيرها.

5- الإكثارُ من الطَّاعات، والبُعدُ عن الذُّنوب والمعاصي، والحرصُ على قوة النفس، وصدقُ التوجُّه إلى فاطر الإنس والجن،والتعوُّذُ الصحيحُ الذي يتوَاطَأُ عليه القلبُ واللسانُ، فإنَّ ما أنتِ فيه من مجاهَدةٍ هو نوعُ مُحارَبَةٍ، والمحارِب لا يتمُّ له الانتصاف من عدوِّه بالسلاح إلَّا بأمرين: أن يكون السلاحُ صحيحًا في نفسه جيدًا، وأن يكون الساعدُ قويًّا، فمتى تخلَّف أحدُهما، لم يُغنِ السلاحُ كثيرَ طائلٍ.

هذا؛ والله أعلم.