ما الذي يقع من تلك الطلقات؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
أما يمين الطلاق أو تعليق وقوعه على فعل أمر معين، فإن كان يريد به وقع الطلاق فإنه يقع بإجماع العلماء، وإن قصد منع نفسه من الفعل فهو يمين ويكفر كفارة يمين من أجل الحنث.
- التصنيفات: أحكام الطلاق -
أنا امرأة متزوجة من أربع سنوات وعندي طفلة عمرها سنتين زوجي حلف يمين طلاق ألا أمسك هاتفه ونسيت الأمر ومستكه ثم ردني وبعد فترة حدث بيننا مناوشات على الواتساب فكتب لي كتابة أنتي طالق ثم ردني ومن يومين حلف لي يمين طلاق ألا يفعل أمر معين ثم فعله هل يعتبر هذا طلاق نهائي أم هناك فتوى للتراجع عنه وما هو الحل للعودة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومن والاه، أما بعدُ:
فإنْ كان الحال كما ذكرْتِ: أنّك فعلتِ ما أقسم عليه زوجك بالطلاق ناسية، فإنَّ الطلاقَ لا يقع، وليس عليه كفارة؛ لأنه قد ثبت بالكتاب والسنة أن الناسي والمُخطئ غير مؤاخذ، وهذا يعمُّ جميع الأحكام، ومَنْ فرَّق بين حُكم وحُكم، طُولبَ بالدَّليل على التَّفْريقِ؛ {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا } [الأحزاب: 5]، وقد بوب الإمام البخاري في صحيحه باب الخطإ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه، ولا عتاقة إلا لوجه الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لكل امرئ ما نوى"، ولا نية للناسي والمخطئ"، وروى ابن ماجه عن أبي ذر الغفاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد تجاوز عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه".
قال شَيْخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى" (33 / 208):
"إذا حلَف لا يفْعلُ شيئًا ففعله ناسيًا ليمِينه، أوْ جاهِلاً بأنَّه المحْلوف عليه - فللْعلماء فيه ثلاثةُ أقْوال:
أحدها: لا يحنث بحال في جميع الأَيْمان، وهذا مذْهب المَكِّيين؛ كعطاء، وابن أبي نجيح، وعمرو بن دينار، وغيرهم، ومذهب إسحاق بن راهويه، وهو أحد قولي الشافعي، بل أظهرهما، وهو إحدى الرِّوايتَيْن عن أحمد.
ونظرْت جوابَه في هذه الرِّواية، فوجدْتُ الناقِلين له بقدْر الناقِلين لِجوابِه في الرواية الثانية، التي اختارها الخَلاَّل صاحبه، والخرقي، والقاضي، وغيرهم من أصحابه، وهو الفرْقُ بين اليمين المُكَفَّرَة؛ كاليمين بالله تعالى، والظِّهار، والحرَام، واليَمين التي لا تُكَفَّر - على منصوصه - وهي اليمين بالطلاق والعتاق.
والقول الثالث: أنه يَحْنث في جميع الأَيْمان، وهو مذْهب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد في الرواية الثالثة عنه .
والقول الأول أصح؛ لأن الحضَّ والمنْع في اليمين بمنزلة الطاعة والمعصية في الأمر والنهي؛ فإنَّ الحالفَ على نفسه أو عبده، أو قرابته أو صديقه الذي يعتقد أنه يطيعه - هو طالبٌ لما حلف على فِعْلِه، مانعٌ لِمَا حلف على تَرْكه، وقد وكَّد طلبَهُ ومنعه باليمين، فهو بِمنْزلة الأمر والنهي المؤَكَّد، وقدِ استَقَرَّ بدلالة الكتاب والسُّنة أنَّ مَنْ فَعَل المنْهيَّ عنه ناسيًا أوْ مُخطئًا، فلا إِثْم عليه، ولا يكون عاصيًا مخالفًا، فكذلك مَنْ فَعل المحْلُوف ناسيًا أو مُخطئًا، فإنَّه لا يكون حانِثًا مخالفًا ليَمِينه، ويدْخُل في ذلك مَن فَعَله متأَوِّلاً أوْ مُقلِّدًا لِمَنْ أفْتاه، أو مُقلدًا لعالِمٍ ميِّتٍ، أو مجتهدًا مصيبًا، أوْ مُخطئًا؛ فحيْثُ لَم يتعمَّد المخالفة، ولكن اعتقد أنَّ هذا الذي فَعَلَهُ ليس فيه مخالفةٌ لليمين، فإنَّه لا يكون حانثًا". اهـ.
أما إرسال الطلاق في رسالة، فيشترط لوقوعه الطلاق بها نية الطلاق، يعني العزم على الوقوع، لأنه من الطلاق بالكناية وليس الصريح مذهب جمهور الفقهاء.
قال ابن قدامة في "المغني"(7/ 486): "إذا كتب الطلاق، فإن نواه طلقت زوجته"، وبهذا قال الشافعي والنخعي والزهري والحكم وأبو حنفية ومالك، فأما إذا كتب ذلك من غير نية، فقال أبو الخطاب: "قد خرجها القاضي الشريف في الإرشاد على روايتين:
إحداهما: يقع. وهو قول الشعبي والنخعي والزهري والحكم لما ذكرنا.
والثانية: لا يقع إلا بنية، وهو قول أبي حنيفة ومالك ومنصوص الشافعي؛ لأن الكتابة محتملة، فإنه يقصد بها تجربة القلم، وتجويد الخط، وغَمَّ الأهل، من غير نية، ككنايات الطلاق، فإن نوى بذلك تجويد خطه، أو تجربة قلمه، لم يقع؛ ولأنه لو نوى باللفظ غير الإيقاع، لم يقع؛ فالكتابة أولى وإذا ادعى، ذلك دين فيما بينه وبين الله تعالى، ويقبل أيضاً في الحكم في أصح الوجهين؛ لأنه يقبل ذلك في اللفظ الصريح، في أحد الوجهين؛ فهاهنا مع أنه ليس بلفظ أولى، وإن قال: نويت غم أهلي، فقد قال، في رواية أبي طالب".
أما يمين الطلاق أو تعليق وقوعه على فعل أمر معين، فإن كان يريد به وقع الطلاق فإنه يقع بإجماع العلماء، وإن قصد منع نفسه من الفعل فهو يمين ويكفر كفارة يمين من أجل الحنث، وقد سبق بيان ذلك في الفتويين: تعليق الطلاق على الزمان المستقبل، الطلاق المعلق،، والله أعلم.