هل هناك صله بين عالم البرزخ والدنيا؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: "هل وجدتم ما وعد ربكم حقا" ثم قال: "إنهم الآن يسمعون ما أقول
- التصنيفات: الموت وما بعده -
السلام عليكم، هل هناك صله بين عالم البرزخ والدنيا؟ إذا لم يكن هناك صله بين عالم البرزخ والدنيا فكيف خاطب النبي شعيب قومه الهالكين؟ وايضًا النبي صالح؟ بقوله: ونصحت لكم ولكن لاتحبون الناصحين؟ فأذا قلنا انها معجزه فماهو الدليل على ذلك بالنسبه للنبي شعيب وصالح؟ وشكرًا؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن مخاطبة نبي الله شعيب وصالح لقومهما بعدما حلّ بهما من العذاب الأليم، وتوبيخهم لهم بعدما أهلكهم الله وقطع دابرهم: تدل على أن الميت يسمع خطاب الأحياء في الجملة، قال الله تعالى: {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ* فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ* فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ } [الأعراف: 77 - 79]، وقال تعالى: {الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ* فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} [الأعراف: 92، 93].
وهذا ما فعله نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم مع مشركين مكة، فخاطب أصحاب قليب بدر إذلالاً وتصغيرًا لهم؛ ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم على قليب بدر فقال: "هل وجدتم ما وعد ربكم حقا" ثم قال: "إنهم الآن يسمعون ما أقول"، فذكر لعائشة، فقالت: إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنهم الآن ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم هو الحق" ثم قرأت {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل: 80].
وسئل شيخ الإسلام عن سماع الميت؟ "الفتاوى الكبرى" (3/ 62).
فأجاب: "نعم يسمع الميت في الجملة، كما ثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "يسمع خفق نعالهم حين يولون عنه"، وثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه ترك قتلى بدر ثلاثًا، ثم أتاهم فقال: "يا أبا جهل بن هشام، يا أمية بن خلف، يا عتبة بن ربيعة، يا شيبة بن ربيعة، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًا؟ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا"، فسمع عمر - رضي الله عنه - ذلك فقال: يا رسول الله، كيف يسمعون، وأنى يجيبون، وقد جُيفوا؟ فقال: "والذي نفسي بيده، ما أنت بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا، ثم أمر بهم فسحبوا في قليب بدر"، وقد ثبت عنه في الصحيحين من غير وجه أنه كان يأمر بالسلام على أهل القبور.
وفي السنن عنه أنه قال: "أكثروا من الصلاة علي يوم الجمعة، وليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي"، فقالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض صلاتنا عليك؟ وقد أرمت - يعني صرت رميمًا - فقال: "إن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء".
فهذه النصوص وأمثالها تبين أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي، ولا يجب أن يكون السمع له دائمًا، بل قد يسمع في حال دون حال، كما قد يعرض للحي فإنه قد يسمع أحيانًا خطاب من يخاطبه، وقد لا يسمع لعارض يعرض له، وهذا السمع سمع إدراك، ليس يترتب عليه جزاء، ولا هو السمع المنفي بقوله: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80].
فإن المراد بذلك سمع القبول والامتثال؛ فإن الله جعل الكافر كالميت الذي لا يستجيب لمن دعاه، وكالبهائم التي تسمع الصوت، ولا تفقه المعنى.
فالميت وإن سمع الكلام وفقه المعنى، فإنه لا يمكنه إجابة الداعي، ولا امتثال ما أمر به، ونهي عنه، فلا ينتفع بالأمر والنهي، وكذلك الكافر لا ينتفع بالأمر والنهي، وإن سمع الخطاب، وفهم المعنى. كما قال تعالى: {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال: 23]". اهـ. مختصرًا.
إذا تقرر هذا، فإن كان مقصود السائل بالصلة بين دار البرزخ ودار الدنيا، هو سماع الأموات للأحياء؛ كما هو الظاهر من الآيتين المذكورتين: فنعم توجد،، والله أعلم.