الشك في الزوجة

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال: هل الشك في اخلاص الزوجة يجيز للرجل البحث في اغراضها
الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

 فأن الله تعالى نهى عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثما محضًا، فلو توهم الإنسان في زوجته انحرافاً في سلوكها وأخلاقها، فيجب عليه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا يسترسل مع الوساوس والخطرات بل يقطعها،ولا يتجسس عليها بالبحث في أغراضها، حتى ولو كان سبب الشك ماضي الزوجة السيء؛ فالعبرة بحال الإنسان بما هو عليه الآن من هداية، فالإنسان ينتقل من نقص إلى كمال، فلا ينظر إلى نقص البداية، ولكن ينظر إلى كمال النهاية، ولا تعاب المرأة بماضيها السيء إن كانت قد تابت وحسن حالها وتمسكت بشرع الله تعالى وانقادت له، والله تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين، وهو يبدل بالتوبة السيئات حسنات.

قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، قال الإمام الطبري في "تفسيره" (21/ 373):

"ولم يقل: الظن كله، إذ كان قد أذن للمؤمنين أن يظن بعضهم ببعض الخير فقال: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12]، فأذن الله جل ثناؤه للمؤمنين أن يظن بعضهم ببعض الخير وأن يقولوه، وإن لم يكونوا من قيله فيهم على يقين... ثم روى بإسناده عن ابن عباس في معنى الآية: "نهى الله المؤمن أن يظن بالمؤمن شرا، إن ظن المؤمن بالمؤمن الشر لا الخير إثم، لأن الله قد نهاه عنه، ففعل ما نهى الله عنه إثم".

فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولا تلقِ بالاً لهذه الوساوس؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا"، وفيهما عن أبي هريرة، أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ولد لي غلام أسود، فقال: "هل لك من إبل؟" قال: نعم، قال: "ما ألوانها؟" قال: حمر، قال: "هل فيها من أَوْرَقَ؟" قال: نعم، قال: "فأنى ذلك؟" قال: لعله نزعه عرق، قال: "فلعل ابنك هذا نزعه"، فلم يقرّه النبي صلى الله عليه وسلم على الشك، وبين له أن مثل هذا لا يوجب الشك في المرأة، مع أنه أمر قد يحدث الشك للإنسان، إذا ولدت زوجان أبيضان بولد أسود.

والحاصل أن الشك أو سوء الظن الخالي من الحقيقة أو الدليل الظاهر أو القرينة الراجحة، محرم، وغالبًا لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا يجوز من التجسس.

 ولكن إن كان سبب الشك قائم على دليل، والتهمة، والريبة، فهذا ليس من الشك المحرم؛ فقد روى أبو داوود والترمذي عن جابر بن عتيك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من الغيرة ما يحبه الله عز وجل، ومنها ما يبغضه الله، فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في الريبة، والغيرة التي يبغض الله فالغيرة في غير الريبة"، وقوله: الغيرة في الريبة: أي يكون في مواضع التهم والشك والتردد بحيث يمكن اتهامها فيه، كمن تدخل زوجته على أجنبي أو يدخل أجنبي عليها، ويجري بينهما مزاح وانبساط، أو يجد عندها صور لرجال أجانب، أو ظهرت أمارات الفساد أو القرائن.

قال في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري" (20/ 206) تعليقًا على حديث جابر بن عتيك:

"وقال شيخنا: لكن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فرب رجل شديد التخيل فيظن ما ليس بريبة ريبة، ورب رجل متساهل في ذلك فيحمل الريبة على محمل يحسن به ظنه".

إذا تقرر هذا؛ فإن كان الشك قائم على غير قرينة ولا دليل ولا ريبة، فهو مجرد توهم، لا سيما إن كانت الزوجة صالحة عفيفة، وأما إن وجد دليل قوي على سوء سلوكها، أو ريبة على النحو السابق، فانصحها وخوفها بالله تعالى، فإن رجعت واستقامت وظهر عليها أمارات الندم فابق عليها، ولكن كن متيقظًا لتصرفاتها، فإن ظهر منها شيء آخر فطلقها،، والله أعلم.