كيف الثبات في الاختبار والامتحان
خالد عبد المنعم الرفاعي
فإن الثبات على دين الله، وتقديم الله تعالى على كل ما سواه يتطلب الهداية لصراط الله المستقيم، ولذلك كان دعاء فاتحة الكتاب أنفَع الدعاء وأعظمه وأحكمه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6 - 7]، فإنَّه إذا هَداه هذا الصراط أَعانَه على طاعته وترْك معصيته، فلم يُصِبْه شرٌّ لا في الدنيا ولا في الآخرة، والذنوب من لوازم النفس، وهو محتاج إلى الهدى كلَّ لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب؛ ولهذا أمَر به في كلِّ صلاة لفرط الحاجة إليه، وإنما يعرف بعض قدره مَن اعتبر أحوال نفسه؛ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى".
هذا؛ وسألختَصِ لك بعض ما يعينك على الثبات حتى الممات على اختبار الله تعالى لنا:
- الدعاء بالهداية والاستِقامة والثَّبات عليهما؛ فالله - تعالى - بفضله ورحمته جعَل الدعاء من أعظم الأسباب الجالبة للخير، المانعة من الشر، فعليك باللجوء إلى الله والتضرُّع إليه أن يُثبِّتك على دينه، وأن يَزِيدك استقامةً وصلاحًا، وهذا مسلكُ المؤمنين، كما حكَى الله عنهم في القرآن الكريم؛ قال - سبحانه -: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]، وقال - تعالى -: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} [البقرة: 250].
وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: "يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك"؛ رواه الترمذي عن أنس - رضِي الله عنه.
- قراءة القرآن بتدبُّر؛ فالله - تعالى - يقول: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32].
{يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].
- الابتِعاد عن المعاصي والذنوب جملةً، ولا يعني هذا أن يصير المسلم معصومًا، ولكن كلَّما أذنب أحدث توبة، ولو عاد في اليوم مأئة مرة.
- المحافظة على واجبات الشريعة، لا سيَّما الصلاة في أوقاتها، وعدم التفريط في شيءٍ منها، مع الالتِزام بسائر أحكام الشرع؛ فالله - سبحانه - يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66].
قال السعدي في "تفسيره" (ص: 185):
"أخبر أنهم لو فعلوا ما يُوعَظون به؛ أي: ما وظف عليهم في كلِّ وقت بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفَّروا نفوسهم للقِيام به وتكميله، ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا إليه ولم يكونوا بصدده، وهذا هو الذي ينبَغِي للعبد أن ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكملها، ثم يتدرَّج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى ما قُدِّر له من العلم والعمل في أمر الدين والدنيا.
ثم رتَّب ما يحصل لهم على فعل ما يُوعَظون به، وهو أربعة أمور:
(أحدها) الخيرية في قوله: {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66]؛ أي: لكانوا من الأخيار المتَّصِفين بأوصافهم من أفعال الخير التي أُمِروا بها؛ أي: وانتَفَى عنهم بذلك صفة الأشرار؛ لأن ثبوت الشيء يستلزم نفي ضدِّه.
(الثاني) حصول التثبيت والثبات وزيادته، فإنَّ الله يثبِّت الذين آمنوا بسبب ما قاموا به من الإيمان الذي هو القيام بما وُعِظوا به، فيثبِّتهم في الحياة الدنيا عند ورود الفِتَن في الأوامر والنواهي والمصائب، فيحصل لهم ثباتٌ؛ يُوفَّقون لفعل الأوامر وترك الزواجر التي تقتضي النفس فعلها، وعند حلول المصائب التي يكرَهها العبد فيُوفَّق للتثبيت بالتوفيق للصبر أو للرضا أو للشكر، فينزل عليه معونةٌ من الله للقِيام بذلك، ويحصل له الثبات على الدين، عند الموت وفي القبر.
وأيضًا فإنَّ العبد القائم بما أُمِرَ به لا يَزال يتمرَّن على الأوامر الشرعيَّة حتى يألَفَها ويَشتاق إليها وإلى أمثالها، فيكون ذلك معونةً له على الثبات على الطاعات.
(الثالث) قوله: {وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 67]؛ أي: في العاجل والآجل الذي يكون للرُّوح والقلب والبدن، ومن النعيم المُقِيم ممَّا لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطَر على قلب بشر.
(الرابع) الهداية إلى صِراط مستقيم، وهذا عمومٌ بعد خصوص؛ لشرف الهداية إلى الصراط المستقيم، من كونها متضمِّنة للعلم بالحق ومحبَّته وإيثاره والعمل به، وتوقف السعادة والفلاح على ذلك، فمَن هُدِي إلى صراط مستقيم فقد وُفِّق لكلِّ خير، واندَفَع عنه كلُّ شر وضير". اهـ.
- قراءة سيرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقصص الأنبياء والصحابة والتابعين والصالحين، ففيها عِبَرٌ وحياةٌ للقلب؛ كما قال - تعالى -: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120].
- اختِيار صحبة صالحة، فهذا ممَّا يُعِين على التمسُّك بالدين، وعلى قمع نوازع الشر في النفس؛ قال الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } [الكهف: 28]، وفي الصحيحين عن أبي موسى - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "مثَل الجليس الصالح والجليس السوء كمَثَل صاحب المسك وكير الحدَّاد، لا يَعدَمك من صاحب المسك إمَّا تشتريه أو تجد ريحَه، وكير الحدَّاد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحًا خبيثة".
- قلة الخلطة بالناس إلا ما لابد منه، قال الإمام ابن القيم في "مدارج السالكين" (2/ 338):
"... فهو حفظ حالك وقلبك مع الله، ودوام إقبالك عليه بقلبك كله. فأنت معهم مسترسل بشبحك ورسمك وصورتك فقط. ومفارقتهم بقلبك وسرك، مشاهدا للمعنى الذي به حياتك. فإذا فارقته كنت كالحوت إذا فارق الماء.
فإن هذا المعنى هو حياة القلب والروح. فإذا فات العبد علته الكآبة، وغمره الهم والغم والأحزان، وتلون في أفعاله وأقواله. وتاه قلبه في الأودية والشعاب، وفقد نعيم الدنيا والآخرة".
وراجع فتوى: الانتكاسة بعد الهداية
أما الخشوع في الصلاة فقد سبق بيانه في الفتويين: فقدت الخشوع في الصلاة، تسلط القرين يفقدني الخشوع في الصلاة.
هذا؛ والله أعلم.