هل من تركت صلاة واحدة ينفسح عقد زواجها
خالد عبد المنعم الرفاعي
الراجح أن من كان يصلى ويترك الصلاة أنه لا يكفر الكفر، ولكنه ارتكب كبيرة من أكبر الكبائر؛ وهو ما حققه ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية
- التصنيفات: فقه الصلاة -
السلام عليكم اود ان اسالكم كنت اطلعت على فتوى ابن باز التي يقول فيها ان من ترك صلاة في وقتها فقد كفر وكنت مواضبة على الصلاة في وقتها قبل زواجي لكن بعد الزواج وقبل الدخول بي هناك مرات قليلة اخرتها عن وقتها فمتلا عندما اكون خارج البيت في التسوق متلا ااخرها رغم ان هناك مساجد في الخارج لاني اكون خارجة مع امي ولاني ان اردت الدهاب للمسجد ستقول لي حتى نرجع للبيت واخاف ان اقع في الحرج لاننها ستصفني بال متشددة متلا او واستفتيت وقالو لي لم تكفري ومنهم من قال لي على مدهبنا لم تكفري وعلى قول ابن باز تكفرين ولالا ينفسخ عقدي اخدت بمن قال لم اكفر رغم اني كنت اخدت بقول ابن باز ولان من استفتيته اقول له هل وقعت في الكفر باخدي بقول ابن باز ومع دالك اخرت الصلاة يجيبوني ب ان الاخد بالقول لايعني صحته واني لم اكفر الا مستفتيا قال على راينا لم تكفري وعلى راي ابن باز تكفرين والان مرت اربع سنوات وعندي بنت عمرها سنتين وضميري يؤنبني اخاف ان اكون اعيش في الحرام وفي نفس الوقت اقول كيف اخبر زوجي ان كان عقدي منفسخ ارجوكم مادا علي فعله في هده الحال هل انا اعيش في الحرام وهل حكمي حكم من اخد بفتوى ورجع عنهابعد العمل بها وبهدا اكون قد فعلت ماهو غير جاءز ارجوكم افتوني علما اني بحتت واطلعت على دلاءل اللدين يكفرون من ترك الصلاة واللدين لا يكفرون فتساوى لدي الرايين في الترجيح واميل الا انه لا يكفر الا من من تركها نهاءيا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعـد:فالفتوى المشار إليها في "مجموع فتاوى ابن باز" (29/ 179)، ما الحكم إذا ترك صلاة واحدة؟
فأجاب: "صلاة واحدة أو عشر إذا تركها عمدًا حتى ذهب وقتها، مثل الفجر حتى طلعت الشمس عمدا كفر، وعليه التوبة إلى الله، أو ترك العصر حتى غابت الشمس، أو العشاء حتى طلع الفجر، هذا كفر على الصحيح في أقوال العلماء".
فالشيخ نبه على أن حكمه بالكفر لمن تعمد إخراج القوت بالكلية، يعني وقت الصلاة ووقت الصلاة المجموعة في وقتها، مثل من يترك الظهر حتى تغرب الشمس، وما اختاره الشيخ من التكفير بمطلق ترك الصلاة، وهو قول بعض السلف: إسحاق بن راهويه ومحمد بن نصر المروزي، ورواية عن أحمد كما في "الإنصاف" للمرداوي.
وإن كان الراجح أن من كان يصلى ويترك الصلاة أنه لا يكفر الكفر، ولكنه ارتكب كبيرة من أكبر الكبائر؛ وهو ما حققه ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية بلل الله ثراه، فسئل عمن ترك صلاة واحدة عمدًا بنية أنه يفعلها بعد خروج وقتها قضاء، فهل يكون فعله كبيرة من الكبائر؟
فأجاب "مجموع الفتاوى" (22/ 53-57):
"الحمد لله، نعم تأخير الصلاة عن غير وقتها الذي يجب فعلها فيه عمدًا من الكبائر، بل قد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الجمع بين الصلاتين من غير عذر من الكبائر، وقد رواه الترمذي مرفوعا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابًا من أبواب الكبائر"، ورفع هذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان فيه نظر؛ فإن الترمذي قال: "العمل على هذا عند أهل العلم والأثر معروف، وأهل العلم ذكروا ذلك مقرين له لا منكرين له"
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من فاتته صلاة العصر فقد حبط عمله"، وحبوط العمل لا يتوعد به إلا على ما هو من أعظم الكبائر، وكذلك تفويت العصر أعظم من تفويت غيرها؛ فإنها الصلاة الوسطى المخصوصة بالأمر بالمحافظة عليها، وهي التي فرضت على من كان قبلنا فضيعوها، فمن حافظ عليها فله الأجر مرتين، وهي التي لما فاتت سليمان فعل بالخيل ما فعل. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا أنه قال: "من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله"، والموتور أهله وماله يبقى مسلوبًا ليس له ما ينتفع به من الأهل والمال، وهو بمنزلة الذي حبط عمله.
وأيضا فإن الله تعالى يقول: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4، 5]، فتوعد بالويل لمن يسهو عن الصلاة حتى يخرج وقتها، وإن صلاها بعد ذلك، وكذلك قوله تعالى {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، وقد سألوا ابن مسعود عن إضاعتها؟ فقال: هو تأخيرها حتى يخرج وقتها، فقالوا: ما كنا نرى ذلك إلا تركها، فقال: لو تركوها لكانوا كفارًا، وقد كان ابن مسعود يقول عن بعض أمراء الكوفة في زمانه: ما فعل خلفكم؟ لكونهم كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها...
إلى أن قال: فإذا كان سبحانه قد توعد بلقي الغي من يضيع الصلاة عن وقتها ويتبع الشهوات، والمؤخر لها عن وقتها مشتغلاً بما يشتهيه هو مضيع لها متبع لشهوته، فدل ذلك على أنه من الكبائر؛ إذ هذا الوعيد لا يكون إلا على كبيرة، ويؤيد ذلك جعله خاسرًا، والخسران لا يكون بمجرد الصغائر المكفرة باجتناب الكبائر".
وقال أيضًا – بعد بيان أن كفر تارك الصلاة كسلاً - (7/ 617):
"فإن كثيًرا من الناس؛ بل أكثرهم في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركوها بالجملة، بل يصلون أحيانًا ويدعون أحيانًا، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام؛ فإن هذه الأحكام إذا جرت على المنافق المحض - كابن أبي وأمثاله من المنافقين - فلأن تجري على هؤلاء أولى وأحرى؛ وبيان هذا الموضع مما يزيل الشبهة: فإن كثيرًا من الفقهاء يظن أن من قيل هو كافر؛ فإنه يجب أن تجري عليه أحكام المرتد ردة ظاهرة، فلا يرث ولا يورث ولا يناكح حتى أجروا هذه الأحكام على من كفروه بالتأويل من أهل البدع، وليس الأمر كذلك؛ فإنه قد ثبت أن الناس كانوا " ثلاثة أصناف ": مؤمن، وكافر مظهر للكفر، ومنافق مظهر للإسلام مبطن للكفر، وكان في المنافقين من يعلمه الناس بعلامات ودلالات، بل من لا يشكون في نفاقه، ومن نزل القرآن ببيان نفاقه - كابن أبي وأمثاله - ومع هذا فلما مات هؤلاء ورِثهم ورَثتهم المسلمون، وكان إذا مات لهم ميت آتوهم ميراثه وكانت تعصم دماؤهم حتى تقوم السنة الشرعية على أحدهم بما يوجب عقوبته".
إذا تقرر هذا؛ فترك الصلاة الواحدة حتى يخرج وقتها بالكلية ليس كفرًا، وإنما هو كبيرة توجب التوبة، وعلى قول أنها مكفرة فلا ينفسخ بها عقد النكاح؛ لأن أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث والنكاح وغيرهما من الأحكام، تجري على ظاهر الحال كما في النقل السابق،، والله أعلم.