حكم الرضا بالكفر

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال: كان صديق لي يقول "انا مسيحي " فقال لي اخوه: انظر ماذا يقول فقلت له : لا يوجد شيء ارءيته كفر وكنت اقصد انه ليس عليه ذنب ولم اعلم ان هذا كفر فهل هذا رضا بالكفر؟
الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبه ومَن والاه، أما بعدُ: 

فالذي يظهر أن قول: لا يوجد شيء، أرءيته كفر لمن قال إنه نصراني، لا يعتبر رضا بالكفر، وإن كان هو نفسه قولاً قبيحًا؛ كان الواجب الإنكار على من قال هذا القول وليس الدفاع عنه أو الاعتذار عما فعل.

أما الرضى بالكفر فشيء آخر، وهو دليل على انعدام إيمان القلب؛ إذ لو كان ثَمَّ إيمان في القلب لَعصم صاحبه  من الرضى بالكفر؛ ومِنْ الأدلة على أن الرضا بالكفر كفرٌ قوله - تعالى -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[محمد: 28].

ومن أمثلة الرضا بالكفر من سمِع آيات الله يُكْفَر بها ويُسْتهزأُ بها، ومع ذلك جلس مع المستهزئين من غيرِ إكراهٍ، ولا إنكارٍ، ولا قيامٍ عنهم حتى يخوضوا في حديثٍ غيره قال الله  - تعالى -: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ}[النساء: 140].

قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "مجموع الفتاوى":

"فإنَّ منَ الرِّضا ما هو كفر؛ كرضا الكفار بالشِّرك، وقتْل الأنبياء، وتكذيبهم، ورضاهم بما يسخطه الله ويكرهه؛ قال - تعالى -: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 28]، فمن اتبع ما أسخط الله برضاه وعمله فقد أسخط الله، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الخطيئة إذا عملت في الأرض، كان مَن غاب عنها ورضيها كمَن حضرها، ومن شهدها وسخطها كان كمن غاب عنها وأنكرها"، وقال - صلى الله عليه وسلم -:  "سيكون بعدي أمراء تعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع هلك"، وقال - تعالى -: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 96] فرضانا عن القوم الفاسقين ليس مما يحبه الله ويرضاه، وهو لا يرضى عنهم، وقال - تعالى -:  {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: 38]، فهذا رضًا قد ذَمَّه الله، وقال - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا} [يونس: 7]، فهذا أيضًا رضًا مذمومٌ، وسِوى هذا وهذا كثيرٌ، فمَن رضي بكفره وكُفْر غيره، وفِسْقه وفسْق غيره، ومعاصيه ومعاصي غيره - فليس هو متَّبعًا لرضا الله، ولا هو مؤمن بالله، بل هو مسخط لربِّه، وربُّه غضبان عليه، لاعنٌ له، ذامٌّ له، متوعد له بالعقاب، وطريق الله التي يأمر بها المشايخ المهتدون، إنما هي الأمر بطاعة الله، والنهي عن معصيته، فمَن أمر أو استحب أو مدح الرضا، الذي يكرهه الله ويذمه، وينهى عنه ويعاقب أصحابه - فهو عدو لله، لا ولي لله، وهو يصد عن سبيل الله وطريقه، ليس بسالك لطريقه وسبيله". اهـ.

إذا تقرر هذا ظهر لك الفارق بين ما قلت وما هو رضا بالكفر،، والله أعلم.