حكم الإفطار حال الإقامة في السفر
خالد عبد المنعم الرفاعي
إذا سافر شخص من دولة إلى دولة أخرى في شهر رمضان، وكان سفرة بسبب العمل لمدة أسبوعين تقريباً، والدولة التي سيسافر إليها مدة الصيام فيها تتجاوز 16 ساعة، وأغلب الأشخاص الذين سيقابلهم لأسباب العمل غير صائمين، ولا يوجد مراعاة لكونه صائماً من حيث توفر الأكل في وقت الإفطار أو توقف العمل أثناء الإفطار. بالإضافة لكون صحته غير جيدة بشكل كبير. هل يجوز له الإفطار في الأيام التي سيكون خارج بلده فيها، ومن ثم القضاء بعد رمضان؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فقد أباح الله للمسافرالإفطار في رمضان مدة إقامته في بلد الغربة حتى يرجع إلى بلده؛ قال الله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ} [البقرة: 185]، وروى أحمد وأصحاب السنن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله - عز وجل - وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة، وعن الحبلى والمرضع الصوم"؛ وعنه في الصحيحين قال: "كنَّا نسافر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يَعِبِ الصائمُ على المفطر، ولا المفطرُ على الصائم".
وفي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - أنَّ حمزة بن عمرو الأسلمي، قال: "يا رسول الله، أأصوم في السفر؟"، فقال - عليه الصلاة والسلام -: "إن شئتَ فَصُم، وإن شئتَ فأفطر"؛ متفق عليه.
قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة: "الفِطْرُ لِلمُسَافِرِ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، سَوَاءٌ كَانَ سَفَرَ حَجٍّ، أَم جِهَادٍ، أَم تِجَارَةٍ، أَم نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْفَارِ، الَّتِي لَا يَكْرَهُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَمْ تَتَنَازَعِ الْأُمَّةُ فِي جَوَازِ الفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ؛ بَلْ تَنَازَعُوا فِي جَوَازِ الصِّيَامِ لِلْمُسَافِرِ، فَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ: إلَى أَنَّ الصَّائِمَ فِي السَّفَرِ، كَالمُفْطِرِ فِي الحَضَرِ، وَأنَّهُ إذَا صَامَ لَمْ يَجْزِهِ؛ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ، وَيُرْوَى هَذَا عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بن عَوْف، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمَا، مِنَ السَّلَفِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الظَّاهِرِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ((لَيْسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ))؛ لَكِنْ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَصُومَ وَأَنْ يُفْطِرَ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ، فَمِنَّا الصَّائِمُ، وَمِنَّا المُفْطِرُ، فَلَا يَعِيبُ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ، وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وَفِي "المُسْنَدِ"، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: ((إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ))، وَفِي الصَّحِيحِ، أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنِّي رَجُلٌ أُكْثِرُ الصَّوْمَ، أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ فَقَالَ: ((إنْ أَفْطَرْت فَحَسَنٌ، وَإِنْ صُمْت فَلَا بَأْسَ))، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: ((خِيَارُكُم الَّذِينَ فِي السَّفَرِ يَقْصُرُونَ وَيُفْطِرُونَ))".اهـ.
وعليه؛ فيجوز لك الإفطار حال إقامتك في السفر؛ لأن تلك الإقامة لا تقطع حكم السفر كما بينته السنة المشرفة،، والله أعلم.