حكم رفض الزوجة مبيت ام زوجها للضرر

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم انا متزوجة منذ خمس سنوات ورزقت بطفلتين...مشكلتى ان زوجى من محافظة غير محافظتى والمسافة بيننا حوالى ساعتين ونصف لديه والدته واخوه يسكنان بها وهو يسكن معى فى محافظتى...منذ تزوجت وام زوجى تاتى لنا كل فترة وتبيت لدينا عدة ايام وانا متضررة من وجدها فى بيتى منذ البداية ولكن كنت اصبر عليها...تؤذينى كثيرا بكلامها وتدخلها وايضا هى تنقل كل ما يحدث فى بيتى لاخواتها ...حدث منها مؤخرا ما جعلنى لا اطيقها...تركت بيتى وقلت لزوجى انت اذهب لها كما تشاء وبرها كما تشاء ولكن انا لا اريد انا اذهب لها وهى لو اتت لدينا ولان المسافة بعيدة تبيت لدينا يوم واحد فقط وان ارادت ان تطيل المدة تذهب لاحدى اخواتها الثلاثة علما انهم يريدون استضافتها لان اثنتين منهما ارامل ....زوجى يرفض هذا ويقول انه لا يستطيع ان يقول لامه ان تبيت لديه يوم واحد وان هذا ليس من الاصول ويجب ان تبيت فى بيت ابنها لا عند اخواتها.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فمن المسلمات والبدهيات في الشريعة الإسلامية الغراء أن حقَّ الأمِّ مُقَدَّمٌ في الشرع على حقِّ كل مَن سواها، وأنه لا مجالَ للمناقشةِ ولا للتماحُل، والذي يظهر أن الأخت السائلة لا يخفى عليها هذا، والواجب عليكِ الصبر والاحتساب، وأن تُعين زوجك على صلة أمه، وليس العكس، ولا شك أنَّ تحديد أيام لمبيت أم زوجك في منزل ابنها من العقوق، وزَيْغٌ عن سواء السبيل، وحِرْمانٌ مِن التوفيق؛ لأنَّ ذلك يُؤلمها ويُشعرها بالظلم، وجحود الابن ويُولِّد عندها الكراهيةَ تجاهك، ولا تأمنين أن تدعو على زوجك فتصادف ساعة إجابة! 

ففي الصحيحينِ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، مَن أحقُّ الناس بحُسْن صحابتي؟ قال: "أمك"، قال: ثُم مَن؟ قال: "ثم أمك"، قال: ثُم مَنْ؟ قال: "ثم أمك"، قال: ثُم مَن؟ قال: "ثم أبوك"، وزاد مسلم: "ثم أدناك أدناك"، ثم يأتي حقُّ الزوجة في المرتبة الثانية بعد الأم.

أعلم أن الغضب من معاملة أم زوج هي السبب، ولكن المسلم الحق من يسلك سبيل العفو والتجاوز، أملاً فيما أعَدَّهُ الله لأهله مِن الأجر والمنزلة الرفيعة؛ قال تعالى: {سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133، 134].

وكذلك حضَّ الله تعالىعباده المؤمنين على العفو والصفح عن المسيء، وأخْبَرَ أنه يجزيه أجرًا عظيمًا، وثوابًا كثيرًا؛ فقال: {وجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 40 - 43]، وقال سبحانه: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 96]، وقال {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت: 34، 35].

ومن أحب أن يعفوَ الله عنه، فليعامل الناس بخُلُق العفو؛ ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "فمَن أَحَبَّ أن يُزَحْزَحَ عن النار، ويَدْخُل الجنة، فلْتَأْتِه منيَّتُه وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأتِ إلى الناسِ الذي يُحب أن يُؤتى إليه".

إذا تقرر هذا؛ فعودي إلى بيتك وتلطفي مع والدة زوجك وعامليها كأنه أمك، ومع الأيام ستتوثق أواصر المودة بينكما، وكوني عونًأ لزوجك على البر وليس العكس، وتذكري أن الجزاء دائمًا من جنس العمل،، والله أعلم.