نشر مقاطع علمية فيها خلفية موسيقية

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته من فضلكم عندي سؤال محيرني و اريد الحصول على الاجابة عليه عاجلا، انا عندي قناة على موقع اليوتيوب مختصة في علم النفس ولكن احيانا اجد مقاطع فيديو مهمة جدا او محاضرات تعليمية و اريد ترجمتها او نشرها ولكن لا استطيع حذف الخلفية الموسيقية التي تكون في الفيديو، فهل اذا نشرتها كما هي هل اؤثم على تلك الموسيقى علما بأنني لست انا من وضعتها ولا استطيع حذفها ، و الهدف من نشر تلك المقاطع هي الافادة و نشر العلم فقط وشكرا لكم

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ ومن والاهُ، أمَّا بعدُ:

 فإن كان الحال كما ذكرت أنه لا يمكنك نشر تلك المواد التي تريد أن تنفع بها الناس، إلا مع الخلفيات الموسيقية، ولم يمكن التفريق بينهما؛ فإما فعلهما جميعًا وإما تركهما جميعًا.

فهذه المسألة له مشابهات كثيرة في الشريعة الإسلامية، حيث يجتمع الحرام الصرف مع الحلال، ولا يمكن فعل الحلال إلا بارتكاب الحرام، وقد بين تلك المسألة شيخ الإسلام في مواضع من كتبه، فقال في "مجموع الفتاوى" (20/ 48-53): "أن الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما... فالتعارض إما بين حسنتين لا يمكن الجمع بينهما؛ فتقدم أحسنهما بتفويت المرجوح، وإما بين سيئتين لا يمكن الخلو منهما؛ فيدفع أسوأهما باحتمال أدناهما، وإما بين حسنة وسيئة لا يمكن التفريق بينهما؛ بل فعل الحسنة مستلزم لوقوع السيئة؛ وترك السيئة مستلزم لترك الحسنة؛ فيرجح الأرجح من منفعة الحسنة ومضرة السيئة.... والثالث كتقديم المرأة المهاجرة لسفر الهجرة بلا محرم على بقائها بدار الحرب كما فعلت أم كلثوم التي أنزل الله فيها آية الامتحان {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة: 10]، وكتقديم قتل النفس على الكفر كما قال تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217]، فتقتل النفوس التي تحصل بها الفتنة عن الإيمان؛ لأن ضرر الكفر أعظم من ضرر قتل النفس، وكتقديم قطع السارق ورجم الزاني وجلد الشارب على مضرة السرقة والزنا والشرب، وكذلك سائر العقوبات المأمور بها، فإنما أمر بها مع أنها في الأصل سيئة وفيها ضرر؛ لدفع ما هو أعظم ضررا منها، وهي جرائمها، إذ لا يمكن دفع ذلك الفساد الكبير إلا بهذا الفساد الصغير.

 وكذلك في باب الجهاد، وإن كان قتل من لم يقاتل من النساء والصبيان وغيرهم حرامًا، فمتى احتيج إلى قتال قد يعمهم، مثل: الرمي بالمنجنيق، والتبييت بالليل: جاز ذلك كما جاءت فيها السنة في حصار الطائف ورميهم بالمنجنيق، وفي أهل الدار من المشركين يبيتون؛ وهو دفع لفساد الفتنة أيضًا بقتل من لا يجوز قصد قتله.

 وكذلك مسألة التترس التي ذكرها الفقهاء؛ فإن الجهاد هو دفع فتنة الكفر فيحصل فيها من المضرة ما هو دونها؛ ولهذا اتفق الفقهاء على أنه متى لم يمكن دفع الضرر عن المسلمين إلا بما يفضي إلى قتل أولئك المتترس بهم جاز ذلك؛ وإن لم يخف الضرر لكن لم يمكن الجهاد إلا بما يفضي إلى قتلهم ففيه قولان، ومن يسوغ ذلك يقول: قتلهم لأجل مصلحة الجهاد مثل قتل المسلمين المقاتلين يكونون شهداء، ومثل ذلك إقامة الحد على المباذل؛ وقتال البغاة وغير ذلك ومن ذلك إباحة نكاح الأمة خشية العنت.

وأما الرابع: فمثل أكل الميتة عند المخمصة؛ فإن الأكل حسنة واجبة لا يمكن إلا بهذه السيئة ومصلحتها راجحة... إلى أن قال: فتبين أن السيئة تحتمل في موضعين دفع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصل بما هو أنفع من تركها إذا لم تحصل إلا بها". اهـ.

إذا تقرر هذا، فإن كان تلك المواد فيها نفع للمسلمين فيجوز نشرها بالخلفيات الموسيقية، للمصلحة الراجحة،، والله أعلم.