هل الخوف من الجن شرك بالله

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم و حمة الله وبركاته انا شخص اخاف الله كثيرا لكن بدأت لي أفكار وخوف من الجن ومس الجن حتى انصدمت عندما اكتشفت ان الخوف من الجن شرك فأنا اخاف من الجن عندما أقول الجن ضعفاء كأني اتحدلهم قا فلخاف أن مسني الجن فهل هذه الخوف شرك بالله

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:

فليس كل خوف من الجن يعتبر شركًا؛ لأن هناك الخوف الطبيعي كالخوف من الأسد مثلًا، وإنما الخوف الذي هو شرك: وهو خوف التذلل والتعظيم والخضوع، أو يخاف العبد من غير الله تعالى أن يضره وينفعه، بمعنى أن الجن يستقل بالضر بمشيئته وقدرته، ولا شك أن هذا شرك أكبر، وهو ما يسمى عن أهل العلم بخوف السر، لأنه اعتقادٌ للنفع والضر في غير الله، بخلاف الخوف ما يجده كل إنسان طبيعي من الخوف مما يؤذي، كأن يخاف مما يضره من أعداء الجن والإنس والحيوانات المفترسة، فهذا خوف جبلي وليس شركًا، كما ذكره الله عن كليمه موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ } [القصص: 33]، {قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى* فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [طه: 66 - 68]، وقوله: {وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 10]، وحكاه الله عن خليله إبراهيم {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ* فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ } [هود: 69، 70].

قال في "تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد" (ص: 416):

"الخوف من أفضل مقامات الدين وأجلها، فلذلك قال المصنف بوجوب إخلاصه بالله تعالى، وقد ذكره الله تعالى في كتابه عن سادات المقربين من الملائكة والأولياء والصالحين قال الله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50]، وقال الله تعالى: {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } [الأنبياء: 28]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ } [المؤمنون: 57]، وقال تعالى: { { الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } [الأحزاب: 39]، وأمر بإخلاصه له فقال تعالى: { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } [البقرة: 40]، وقال تعالى:  {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة: 44]، وقال تعالى: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ} [النحل: 52].

 وهو على ثلاثة أقسام:

أحدها: خوف السر وهو أن يخاف من غير الله أن يصيبه بما يشاء من مرض أو فقر أو قتل ونحو ذلك بقدرته ومشيئته، سواء ادعى أن ذلك كرامة للمخوف بالشفاعة، أو على سبيل الاستقلال، فهذا الخوف لا يجوز تعلقه بغير الله أصلاً؛ لأن هذا من لوازم الإلهية، فمن اتخذ مع الله ندًّا يخافه هذا الخوف فهو مشرك.

وهذا هو الذي كان المشركون يعتقدونه في أصنامهم وآلهتهم؛ ولهذا يخوفون بها أولياء الرحمن، كما خوفوا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فقال لهم: {وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}[الأنعام: 80]، وقال تعالى عن قوم هود إنهم قالوا له: {إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} [هود: 54، 55]، وقال تعالى: {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ } [الزمر: 36].

 وهذا القسم هو الواقع اليوم من عباد القبور، فإنهم يخافون الصالحين بل الطواغيت، كما يخافون الله بل أشد.

الثاني: أن يترك الإنسان ما يجب عليه من الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بغير عذر إلا لخوف من الناس، فهذا محرم، وهو الذي نزلت فيه الآية: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 175]، جاء فيه الحديث: "إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ما منعك إذا رأيت المنكر أن لا تغيره فيقول: يا رب خشيت الناس، فيقول إياي كنت أحق أن تخشى"؛ رواه أحمد.

الثالث: خوف وعيد الله الذي توعد به العصاة وهو الذي قال الله فيه: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ } [إبراهيم: 14]، وقال: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} [الرحمن: 46]، وقال تعالى: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} [الطور: 26]، وقال تعالى: {وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: 7]، وهذا الخوف من أعلى مراتب الإيمان، ونسبة الأول إليه كنسبة الإسلام إلى الإحسان، وإنما يكون محمودًا إذا لم يوقع في القنوط واليأس من روح الله، ولهذا قال شيخ الإسلام: هذا الخوف ما حجزك عن معاصي الله، فما زاد على ذلك، فهو غير محتاج إليه.

بقي قسم رابع وهو الخوف الطبيعي، كالخوف من عدو وسبع وهدم وغرق ونحو ذلك، فهذا لا يذم وهو الذي ذكره الله عن موسى عليه الصلاة والسلام...". اهـ. مختصرًا  

هذا؛ ويمكنك التخلص من الخوف من الجن بالمواظبة على:

*الاستعانة بالله، والاستعاذة به سبحانه من شر الشيطان الرجيم وأعوانه من الجن.

* المواظبة على الصلاة في أوقاتها، وصلاة النوافل.

*المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم وباقي الأذكار المعروفة.

*قراءة القرآن الكريم بتدبر، خصوصا سورة البقرة و(ق) وآية الكرسي.

* المحافظة على فعل الطاعات وترك المحرمات.

* صدق اللجوء إلى الله بالدعاء وتحري أوقات الإجابة أن يصرف عنك هذا الخوف، ويصرف عنك كل سوء وشر ويقدر لك خير حيث كان.

هذا؛ والله أعلم.