ماضي زوجتي يعذبني

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله قمت بعقد قراني على فتاة متدينة وملتزمة، ونحن بانتظار العرس بعد أيام إن شاء الله . قمت بالدخول إلى صفحتها في مواقع التواصل الاجتماعي، فوجدت أنها كانت تكلم شابا إلى حدود فترة العقد، حيث عرض عليها الزواج بادئ الأمر، فتبادلا الكاميرا أي الفيديو بينهما لرؤية بعضها البعض، فلم يتفقا على الزواج، ثم استمر التواصل بينهما حول مشاكلها الصحية ومشاكلها اليومية مع أسرتها، لكن في حدود الأدب. كما وجدت أنها كانت تحكي له عن مرضها الذي تعافت منه إلى حدود فترة خطبتي لها. حيث كانت تعاني من مرض الجن العاشق، وتعالجت منه بعد ذهابها لراق.كما وجدت أنها كانت تتواصل مع مفسرين للأحلام، وبعض الرقاة في مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد علمي بالأمر، ندمت ندما شديدا لاطلاعي على خصوصياتها، خاصة أني بعد أن أخبرتها قالت هو أمر من الماضي، وحزنت كثيرا وبكت بكاء شديدا وبدأت تتمنى الموت، وتقول لي يا ليتها ماتزوجت. مما جعلني أحس بذب كبير وفي نفس الوقت بدأت تنتابني غيرة شديدة وشك ووساوس حول ما عرفت من أمور، خاصة بعد اطلاعي على مسألة مرض الجن العاشق. فبدأت أنقل تساؤلاتها لمفسرين بعد أن دخلت باسم فتاة مستعار، حيث تعرفت عن طريق ردودهم على بعض أعراض المرض، كانت تتمحور حول الرغبة الجنسية، وممارسة العادة السرية، وتعطل الزواج..... الأمر الذي أصابني بالإحباط والغيرة الشديدة، حيث شعرت كأنني خنتها بهذا السؤال عن هذه الأمور. كما أصبحت أعيش حالة من التفكير السلبي والغيرة الشديدة والحزن والأسى، وبدأت تنتابني وساوس أحاول دفعها فتعود مرة أخرى، كلما تذكرت هذه الأمور التي عرفتها. أعاني من شعور سيء وحزن عميق وفقدان الرغبة والياس، علما أن الزواج لا يفصلنا عنه إلا أياما قلية إن شاء الله. أريد من فضلكم توجيهات واستشارة في الأمر. وجزاكم الله خيرا

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فلا شك أنك ارتكبت محرمًا شرعيًا بالتجسس على زوجتك، فالشارع الحكيم رغبنا في الستر وعدم تتبع عورات المسلمين، وترك الناس على حالهم، والتغافل عن أحوالهم التي إذا فتشت، ظهر منها ما لا ينبغي؛ قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: 12].

وفي الصحيحين عن قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تباغضوا، وكونوا إخوانا".

والغالب على الظن أن ما تشعر به هو من شؤم تلك المعصية، حتى أصابك بالوسوسة، فاستغفر الله تعالى وتب إليه، واعزم على عدم العودة لمثل هذا في المستقبل.

فلا يحق لأي أحد كائنًا من كان أن ينبش في ماضي غيره سواء كانت زوجة أو غيرها؛ لأن العبرة بما عليه الإنسان الآن، وكما قال الأئمة الاعتبار في الخلق بكمال النهاية لا بنقص البداية، ولا يخفى أن الكمال إنما يحصل بعد التوبة والاستغفار؛ لأن الإنسان ينتقل من نقص إلى كمال، والعاقل لا ينظر إلى النقص الأول بل ينظر إلى كمال الآخر، وهل يعاب الرجل أن أسلم بعد كفره، وآمن بعد نفاقه وأطاع بعد معصيته!

وأفضل هذه الأمة وهم السابقون الأولون من صحابة رسول كانوا مشركين يفتنون المسلمين عن دينهم، ثم تاب الله عليهم فهاجروا إلى الله ورسوله؛ وجاهدوا وصبروا؛ حتى قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 110]، وكان عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد رضي الله عنهما من أشد الناس على الإسلام، فلما أسلما تقدما على من سبقهما إلى الإسلام؛ وكان بعض من سبقهما دونهما في الإيمان والعمل الصالح بما كان عندهما من كمال الجهاد للكفار والنصر لله ورسوله؛ حتى أن الفاروق عمر كان أعلى همة في إقامة دين الله، مقدمًا على سائر المسلمين غير أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، فتأمل هذا!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: في كتابه "مجموع الفتاوى" (10/ 299):

 "والاعتبار بكمال النهاية لا بما جرى في البداية؛ والأعمال بخواتيمها، والله تعالى خلق الإنسان وأخرجه من بطن أمه لا يعلم شيئًا، ثم علَّمه فنقله من حال النقص إلى حال الكمال، فلا يجوز أن يعتبر قدر الإنسان بما وقع منه قبل حال الكمال، بل الاعتبار بحال كماله". اهـ.

أيضًا فإن ما تذكره عن زوجتك وإن كان غير جائز؛ لأنه يحرم إقامة أي علاقة بين الجنسين وإن كانت بغرض الزواج، إلا أن الأمر لم يتمادى بينهما.

إذا تقرر هذا؛ فاطو عنك تلك الصفحة، وهون الأمر على زوجتك، واشعرها يثقة الكاملة فيها، والزمن كاف في نسيان هذا الأمر،، والله أعلم.