حكم من استمع لحديث موضوع ولم ينكره

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم اود سؤالكم هل من لديه بنت وكبرها واحسن تربيتها بني له قصر في الجنة فقد قالت لي سيدة هدا وبدات افكر هل هناك فعلا هدا الحديت وقد غلب على ظني انهدا الدي قالته ليس بصحيح لكن لاجاملها قلت لها هدا صحيح وانا لم اتحقق من ان هناك حديت يقول فيه النبي هدا فهل علي شيء هل انا اتمة وهل وقعت في الكفر وهل ينطبق علي حديت مَنْ حَـدّث عنّي بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين

الإجابة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَنْ والاه، ثم أما بعد:

فلا شك أن الشارع الحكيم رغب في الإحسان إلى البنات عمومًا؛ كما روى أحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد مسلم يكون له ثلاث بنات، فأنفق عليهن حتى يبن أو يمتن، إلا كن له حجابًا من النار"، فقالت امرأة: يا رسول الله، أو اثنتان؟ قال: "أو اثنتان"، وفي رواية عند أحمد أيضًا قال رجل: أو واحدة يا رسول الله؟ قال: "أو واحدة"؛ وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وأقره المنذري في "الترغيب" (3 / 85) .

ولكن ينبغي للإنسان أن يخلص نيته في تربية البنات، وأن يقصد بها وجه الله تعالى؛ فالأعمال بالنيات، ومن تمام الإحسان أن لا يظهر بهن ضجرًا ولا قلقًا ولا كراهة، ولا استثقالاً، فإن ذلك يكدر الإحسان.

وفي الصحيحين عن عائشة قال رسول الله: "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار"

إنما ذكرهن بالابتلاء لموضع الكراهة لهن، والثواب إنما يعظم على المكروه.

قال النووي: إنما سماه ابتلاء لأن الناس يكرهونه في العادة قال الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}[النحل: 58]، ومقتضاه أنه من البلاء، والأول وهو أنه من الاختبار أولى".

وقال في "طرح التثريب في شرح التقريب" (7/ 68):

إنما خص البنات بذلك لضعف قوتهن وقلة حيلتهن وعدم استقلالهن واحتياجهن إلى التحصين وزيادة كلفتهن والاستثقال بهن وكراهتهن من كثير من الناس بخلاف الصبيان فإنهم يخالفونهن في جميع ذلك، ويحتمل أن هذا خرج على واقعة مخصوصة فلا يكون له مفهوم، ويكون الصبيان كذلك، ويدل لهذا ما ورد في كافل اليتيم فإنه لم يخص بذلك الأنثى، ويدل له أيضا ما رواه الطبراني في معجمه الكبير والصغير عن الحسن بن علي - رضي الله

وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

"من عال جاريتين حتى تبلغا؛ جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه". اهـ.

وقال الإمام البخاري في كتابه "الأدب المفرد" (ص: 57):

"باب من عال جاريتين أو واحدة".

أما الحديث المذكور فلم أقف عليه فيما بينا أيدينا من مراجع وموسوعات، فالذي يظهر أن الأمر قد اختلط عليكما، ولم تتعمدا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ففي الحديث المشهور قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حدث عني حديثا يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبَين"؛ رواه مسلم وغيره.

وقوله: يَرَى بالفتح، بمعنى: يعلَمُ، ويُرَى بالضمِّ: فهو مبنيٌّ لما لم يسمَّ فاعله، ومعناها: الظَّنُّ، فالنهي عن الحديث عن النبي حتى يتأكد من صحته.

قال النووي شرح على مسلم (1/ 71)

"ولهذا قال العلماء ينبغي لمن أراد رواية حديث، أو ذكره أن ينظر، فإن كان صحيحًا أو حسنًا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا أو فعله، أو نحو ذلك من صيغ الجزم، وإن كان ضعيفًا، فلا يقل قال أو فعل أو أمر أو نهى وشبه ذلك من صيغ الجزم، بل يقول رُوي عنه كذا، أو جاء عنه كذا، أو يُروى أو يُذكر أو يُحكى، أو يُقال أو بلغنا، وما أشبهه". اهـ.

وقال في "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (1/ 112):

"وقوله: "فهو أحد الكذابين": رُوِّينَاهُ بكسر الباء على الجمع؛ فيكون معناه: أنه أحد الكذابِين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين قال الله تعالى في حقهم: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60] الآية؛ لأنَّ الكذبَ على رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كذبٌ على الله تعالى.

ورُوِّيناه أيضًا - بفتح الباء على التثنية؛ ويكون معناه: أنَّ المُحدِّث، والمُحدَّث بما يظنَّان أو يعلمان كذبَهُ كاذبان؛ هذا بما حدَّثَ، والآخرُ بما تحمَّل من الكذب مع علمه أو ظنِّه لذلك.

ويفيد الحديثُ: التحذيرَ عن أن يحدِّثَ أحدٌ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا بما تحقق صدقَهُ علمًا أو ظنًّا، إلا أن يحدّث بذلك على جهة إظهار الكذب؛ فإنه لا يتناوَلُهُ الحديث؛ وفي كتاب الترمذيِّ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "اتقوا الحديثَ عنِّي إلا ما عَلِمتُم، فَمَن كَذَبَ عليَّ متعمِّدًا، فليتبوَّأ مَقعَدَهُ من النار، ومَن قال في القرآن برأيه، فليتبوَّأ مَقعَدَهُ من النار"، وقال: هذا حديثٌ حسن". اهـ.

إذا تقرر هذا، فإن كان يغلب على ظنك عدم صحة الحديث التي ذكرته تلك المرأة، فكان الواجب عليك بيان هذا، أو ارشادها إلى السؤال عن صحتها، وألا تجامليها على حساب الشرع، أما الآن فيجب عليك الاستغفار والتوبة، والعزم على عدم العودة في المستقبل لمثل هذا، ولكن هذا الفعل ليس كفرًا، ولكنه معصة.

وإن أمكنك أن ترسلي إليها رسالة بالأحاديث الصحيحة التي ذكرناها، مشفوعة بأن الحديث الذي ذكرته لا أصل له،، والله أعلم.