أحب ابنة عمي وأبوها يرفض زواجنا

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم ورحمه الله وبركاتة جزاكم الله خير الجزاء على حسن صنيعكم.. انا احب ابنت عمي وهي تسكن هي واهلها في امريكاء.. وقد تقدمت له فرفض ابوها. علما اني احبها ولم يحدث بيننا شي لا رسالة ولا غيرها.. وانا اكتم حبها فلا احد يعلم اني احبها

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فعلاج الحب هو ما أوصى به النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في قوله: "لَم يُرَ للمُتحابَّين مثلُ النِّكاح"؛ رواه ابن ماجَهْ، قال أيضًا: "يا معشرَ الشباب، مَن استطاع منكم الباءة فلْيَتَزَوَّج، فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفَرْج، ومَن لَم يستطعْ فعليه بالصَّوم، فإنه له وِجاء"؛ متَّفق عليه.

فأنت في حاجة أن تستعين بأحد من أقاربك أو غيره ليقنع عمك بزواجك من ابنته، فإن رفض فجاهِد نفسك في الله، فمُجاهَدةُ النفس مِن أعظم فرائض الشرع المأمور بها، وكذلك قَهر الهوى والشهوة وجهادها أصلُ كل جهاد؛ قال صلى الله عليه وسلم: "وإنه مَن يَستعففْ يعفُّه الله، ومَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْه الله، ومَن يَستَغنِ يُغنه الله، ولن تُعطوا عطاءً خيرًا وأوسع مِن الصبر"؛ متفق عليه.

فمَن تكلَّفَ العفَّة - وهي: الكفُّ عن الحرام - يَرْزقه الله العفاف، ومن تكلَّف الصبرَ يرزقه الله الصبر، وأصدق اللجوء إلى الله تعالى، وتدعوه بإلحاح أن يُعينك على نِسيانها.

وقد بَيَّن شيخُ الإسلام أحمد ابن تيميَّة دواءً شافيًا لمن أصابه سهمٌ من سهام إبليس المسمومة كالتي أصابتْك فقال: "مَنْ أصابَه جرحٌ مسموم فعليه بِما يُخرج السُّمَّ ويُبْرِئُ الجرح بالتِّرياق والمرهم، وذلك بأمور؛ منها: أن يتزوَّج أو يتسرَّى؛ فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نَظَر أحدُكم إلى مَحاسِنِ امرأةٍ فليأْتِ أهله؛ فإنَّما معها مِثْل ما معها"، وهذا مِمَّا ينقص الشهوة ويُضْعِفُ العِشق.

الثاني: أن يُداومَ على الصلوات الخمس والدُّعاء والتضرُّع وقت السَّحَرِ، وتكون صلاتُه بحضور قلبٍ وخُشوع، ولْيُكْثِرْ من الدُّعاء بقوله: يا مُقَلِّبَ القلوب، ثبِّتْ قلبي على دينك، يا مُصَرِّفَ القُلوب، صرِّفْ قلبي إلى طاعتك وطاعةِ رَسُولِك؛ فإنَّه متَى أدْمَنَ الدُّعاء والتضرُّع لِلَّه صرف قلبه عن ذلك، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24].

الثالث: أن يبعدَ عن مسكن هذا الشَّخْصِ والاجتماع بِمن يَجتمع به؛ بِحيثُ لا يَسمع له خبرًا، ولا يقع له على عينٍ ولا أثر؛ فإنَّ البُعد جَفَا، ومتَى قلَّ الذِّكْرُ ضعُفَ الأثَر في القلب، فَلْيَفْعَل هذه الأمورَ، وليُطالع بِما تجدَّد له مِن الأحوال"؛ مجموع الفتاوى (32/5-6).

وقال رحمه الله تعالى في قاعدة في المحبة (ص: 77-78) "وأمَّا الإصرار على العِشْقِ ولَوازِمِه من النَّظَرِ ونَحْوِه، فقد يكون أعظمَ من الزِّنا الواحد بشَيْءٍ كثير، والمخلصون يَصْرِفُ الله عنهم السُّوءَ والفَحشاءَ، ويوسفُ عليه السلام كان من المخلَصين؛ حيثُ كان يعبد الله لا يُشْرِكُ به شيئًا، وحيث توكَّل على الله واستعانَ به، كما قال تعالى: {وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يوسف: 33، 34].

وهذا تحقيقُ قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 98 - 100]، المتولون للشيطان هُم الذين يحبون ما يُحبُّه، فأخبر سبحانَه أنَّ المتوكِّلين على الله ليس للشَّيْطانِ عليهم سلطان، وإنَّما سلطانُه على المتولِّين له، والمتولِّي مِن الولاية، وأصلُه المَحبَّة والمُوافَقَة، كما أنَّ العداوَةَ أصْلُها البُغْضُ والمخالفةُ، فالمتولُّون له هم الذين يُحِبُّونَ ما يُحِبُّه الشيطان ويُوافقه، فهم مشركون بِهِ حيثُ أطاعوه وعبدوه بامتثالِ أمْرِه". اهـ.

أما كونُك لا تستطيع نسيانها حتى الآن فالسببُ ظاهرٌ، وهو كونُك لم تَنْزعها من قلبك، وتُشعر نفسك اليأس، وقد أشار ابن الجوزي في كتابه المدهِش (ص: 161) إلى هذا فقال: "يا هذا، دبِّر دينك كما دبَّرت دنياك، لو علق بثوبك مسمارٌ رجعتَ إلى وراء لتخلِّصه، هذا مسمار الأضرار قد تشبَّث بقلبك، فلو عدت إلى الندم خطوتين تخلَّصتَ"!

وأكثر من الدعاء النبوي: "اللهم إني أعوذ بك مِن شرِّ سَمعي، ومِن شرِّ بصري، ومن شرِّ لساني، ومن شرِّ قلبي، ومِن شر مَنِيِّي".

وراجع فتوى: ماذا أفعل لكي أنساها؟

هذا؛ والله أعلم.