ما حكم مال المحامي الذي يترافع عن المجرمين؟

خالد عبد المنعم الرفاعي

لا يَجوزُ الدِّفاع عن المُجرمين لِتبرئَتِهم، وكلُّ قضيَّة يُدافع فيها المسلم عن الباطلِ، عالمًا بذلك معتقدًا تَحريمه ... فهو آثم، مرتكبٌ لكبيرةٍ من كبائر الذُّنوب، وما يأخذُه من الأجر على ذلك، فهو سُحْتٌ، لا يَحلُّ له.

  • التصنيفات: الشرك وأنواعه - السياسة الشرعية - الواقع المعاصر - النهي عن البدع والمنكرات -
السؤال:

مشروعيه مرتب المحامي الذي يعمل في مكتب يتعامل مع كافه انواع القضايا والمنازعات منها قضايا التزوير والاختلاس وتعاطي الخمور وماشابه وانا لاعمل في تلك القضايا بل اختص بالقضايا المدنيه وقضايا الشركات فهل المرتب الذي اتقاضاه من تلك المؤسسه القانونيه حلال ام حرام

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

أنَّه يَجب على المُحامي مُراعاةُ حكم الشَّرع في أصل القضيَّة؛ فلا يترافَع إلا إذا علِم مشروعيَّة الدَّعوى ومضمونَها، وأنه لا يَجوزُ له تبرئةُ مَن يَعلَمُ جُرْمَه، أو يغلب على ظنِّه ذلك؛ لعموم قول الله – تعالى -: {وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} [النساء: 105]، وقال: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا} [النساء: 109]، وكذلك لا يجوز له المطالبةُ لموكِّله بحقٍّ ليس له؛ لقولِه تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90]، وقال - صلى الله عليه وسلَّم -: مَن خاصَمَ في باطلٍ وهو يعلمُه، لم يزلْ في سَخَطِ الله حتَّى ينزِع، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ؛ رواه أحمد وأبو داود؛ وصححه الألباني في كتابه "الإرواء".

إذا تقرر هذا فلا يجوز لمن يعمل في مهنة المحاماة أن يدخُل في أيِّ قضيةٍ؛ إلا بشرط أن يَعرفَ: أنَّ الحُكْم الذي يُطالِبُ به لا يتعارضُ مع أحكام الشريعة الإسلاميَّة.

قال العلاَّمة الشنقيطي، في "أضواء البيان"، عند قولِه – تعالى -: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]: "ما دلَّتْ عليه هذه الآيةُ الكريمة، من أنَّ ما اخْتَلَفَ فيه النَّاس من الأحكام، فحُكْمُه إلى الله وحدَه، لا إلى غيره، جاء موضَّحًا في آيات كثيرة، فالإشراكُ بالله في حكمِه كالإشراك به في عبادتِه؛ قال في حكمه: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26]، وفي قراءة ابن عامرٍ من السبعة: {وَلا تُشْرِكْ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا}، وقال في الإشراك به في عبادته: {وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف: 110]، فالأمران سواءٌ. كما ترى إيضاحَه - إن شاء الله -:

وبذلك تعلَمُ أنَّ الحلال ما أحلَّه الله، وأنَّ الحرام ما حرَّمه الله، والدِّين هو ما شَرَعَه الله، فكلُّ تشريعٍ من غيره باطل، والعملُ به بدلَ تشريع الله عند مَن يعتقد أنَّه مثلُه أو خيرٌ منه - كفرٌ بواح لا نِزاعَ فيه، وقد دلَّ القرآن في آياتٍ كثيرة: على أنَّه لا حُكْمَ لغَيْرِ الله، وأنَّ اتِّباع تشريع غيرِه كفرٌ به؛ فمِن الآيات الدَّالَّة على أنَّ الحكم لله وحدَه قولُه – تعالى -: {إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الحَقَّوَهُوَ خَيْرُ الفَاصِلِينَ} [الأنعام: 57]، وقولُه تعالى: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} [المائدة: 44]، وقولُه تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88]، والآياتُ بِمثل ذلك كثيرةٌ جدًّا؛ كقولِه تعالى: {إِنَّما سُلْطَانِهِ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 100]، وقولِه تعالى: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]، وقولِه تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَلاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} [يس: 60]، والآيات بِمثل ذلك كثيرةٌ جدًّا." انتهى من "أضواء البيان".

وعليه؛ فلا يَجوزُ الدِّفاع عن المُجرمين لِتبرئَتِهم، وكلُّ قضيَّة يُدافع فيها المسلم عن الباطلِ، عالمًا بذلك معتقدًا تَحريمه، وقد حَمله على ذلك طمعُه في كسب القضيَّة للانتِصار، أو لينال الأجر عليها - فهو آثم، مرتكبٌ لكبيرةٍ من كبائر الذُّنوب، وما يأخذُه من الأجر على ذلك، فهو سُحْتٌ، لا يَحلُّ له.

 وقد نصَّ أهلُ العلم الذين جوَّزوا العمل بالمحاماة - في ظل القانون الوضعي -: على أنه ليحل العمل؛ إلا بشرط الدفاع عن المظلومين وحسب، ومن دافع عن مجرم يعلم إجرامه فلا يحب له أخذ الأجر،، والله أعلم.