هل يجوز للزوج منع الزوجة الزانية من رؤية أبنائها؟
خالد عبد المنعم الرفاعي
لا يحق للأب مهما بلغ غضبه ومهما عظمت جناية الأم أن يمنعها من رؤية أبنائها.
- التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة -
هل يجوز للزوج بعد ما طلق زوجته بعد ان فعلت الفاحشة ان يأخذ منها الاولاد ويمنع الأم من رؤيتهم والعيش معهم مع العلم انها تابت وصلح حالها مع الله فهل يحرم عليه ؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فقد أجمع أهل العلم على أن الأم أحق بالحضانة إنا تَوَفَّرَتْ فيها شروط الحضانة:
أولاً: العقل.
ثانياً: الإسلام.
ثالثاً: العِفَّة والأمانة. والمراد بذلك: أن لا يكون الحاضن أو الحاضنة ذا فِسْق.
رابعاً: الإقامة؛ وذلك بأن يكون صاحب الحق في الحضانة مُقيمًا في بلد الطفل.
خامساً: الخُلُوّ من زَوْجٍ أجنبيَ: فإذا تزوجتِ الأم سقط حقها في الحضانة؛ وإن لم يدخل بها الزوج بعدُ؛ لِمَا رواه أبو داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تُنْكحِي)).
سادساً: الخُلُوّ من الأمراض الدائمة والعادات المؤثرة، فلو كانت الأم تُعاني مرضًا عُضَالاً: كالسل، والفالج، أو كانت عمياء، أو صَمَّاء، لم يكن لها حَقّ في حضانة الطفل؛ لأنَّ لها من شأنها ما يشغلها عن القيام بحق الطفل.
فإذا فُقد شرط من هذه الشروط السِّتَّة فلا حق لها، وتنتقل إلى أم الأم عند جمهور العُلماء من المذاهب الأربعة وغيرهم، فلا يحق لأبي الطفل أن يُنَازِعَ فيه ما دَامت جَدَّة الطفل لأمه سالمة مُتَوَفِّرَة فيها مُؤهلات الحضانة، فإن كانت غير موجودة أو لا تريد الطفل وما شابه، تنتقل الحضانة للأب.
إذا عرف هذا فالأم التي وقعت في الزنا تسقط عنها الحضانة؛ وهي غير مؤتمنة على الأبناء.
أما منع الأم من رؤية أبنائها فلا يجوز بحال؛ لأن صلةَ الرَّحم واجبةٌ، وقطيعتُها من الكبائر الموجبة للَّعْن والطَّرْد من رحْمة الله؛ لقولِهِ - تعالى -: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23].
وإذا كان صدِّ الأم عن سبيل الله، وحرصها على كفر أبنائها، لا يمنع ذلك من أن الإحسان إليها ولا يُسقِط حقَّها في الصحبة الكريمة الطيبة؛ كما قال - تعالى -: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]؛ ومن تأمل سمو الأسلوب في قوله: {فَلا تُطِعْهُمَا}، أدرك شيئًا من هذا، فقد قال فقط: لا تطعها مع الاستمرار على البر والإحسان، ولم يقل - سبحانه وتعالى -: فعقَّهما، أو وبخْهما، أو اضربهما، أو غير ذلك.
والحاصل أن حق الأم في البر والصلة، والعشرة الجميلة، والصحبة بالمعروف - لا يسقط بالشرك، فلئلاّ يسقط بكبيرةٍ دون الشرك – كالزنا أو غيرها - أولى وأحرى.
وكذلك حكى الله عن خليله إبراهيم - عليه السلام - لما قال له أبوه وهو كافر: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46]، قال: {سَلَامٌ عَلَيْكَ} [مريم: 47].
ولا شك أن حق الأم من أعظم الحقوق، وبرها والإحسان إليها من أوجب الواجبات، وعقوقها من أشنع الموبقات - وهذا معلوم من دين الإسلام بالضرورة – فلا يحق للأب مهما بلغ غضبه ومهما عظمت جناية الأم أن يمنعها من رؤية أبنائها،، والله أعلم.