حكم قول الاستعانة من الله
خالد عبد المنعم الرفاعي
فالاستعانة بالله تعالى والاتكال عليه والبراءة من الحول والقوة وصدق اللجأ إليه والدعاء، هي أصل دين الإسلام؛ فالعبد محتاج إلى طلب العون من الله في جميع أموره كل طرفة عين.
- التصنيفات: التوحيد وأنواعه - الطريق إلى الله -
اشكل على معنى هذه جملة قيلت على موقع الفيسبوك: الاستعانة من الله
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثم أما بعد:
فالاستعانة بالله تعالى والاتكال عليه والبراءة من الحول والقوة وصدق اللجأ إليه والدعاء، هي أصل دين الإسلام؛ فالعبد محتاج إلى طلب العون من الله في جميع أموره كل طرفة عين، كما قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]، وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجزن، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أنني فعلت لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان".
فالعبد عاجز لا يقدر على شيء إن لم يعنه الله، فأمره بالحرص على الأسباب، والاستعانة بالمسبب، ونهاه عن العجز، وهو التقصير في الأسباب، أو عدم الحرص عليها، وتقصير في الاستعانة بالله وترك تجريدها، فالدين كله ظاهره وباطنه، شرائعه وحقائقه تحت هذه الكلمات النبوية، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله فهو المخذول، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته الحاجة كما في الصحيح: "إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له"، وقال دعاء القنوت: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك"، وأمر معاذ بن جبل أن لا يدع في دبر كل صلاة أن يقول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم أعني ولا تعن علي".
أيضًا فإن العبد لن يستطيع دفع وساوس الشيطان، وخطرات النفس، ودفعات الهوى وغيرها من المعوقات، إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى، والتعرض لأسباب مرضاته، والتجاء القلب إليه، وإقباله عليه في حركاته وسكناته.
قال الإمام ابن القيم كتابه " شفاء العليل (ص: 19):
"ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه، أمره أن يستعين به ليجتمع له مقام: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}؛ فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله، ولا تتم إلا بمعونته، فأمره بأن يعبده وأن يستعين به، ثم قال ولا تعجِز؛ فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه، وينافي استعانته بالله، فالحريص على ما ينفعه المستعين بالله ضد العاجز، فهذا إرشاد له قبل رجوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله وهو الحرص عليه، مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده، ومصدرها منه، ومردها إليه". اهـ.
وقد أفرد لتلك المسألة الكبيرة كتاب سماه "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية" (2/ 432):
"وهو أيضًا يبين قوة حاجة العبد إلى الاستعانة بالله والتوكل عليه واللجأ إليه في أن يستعمله في طاعته ويجنبه معصيته، وأنه لا يملك ذلك إلا بفضل الله عليه وإعانته له، فإن من ذاق مرارة الابتلاء وعجزه عن دفعه إلا بفضل الله ورحمته، كان شهود قلبه وفقره إلى ربه واحتياجه إليه في أن يعينه على طاعته، ويجنبه معصيته أعظم ممن لم يكن كذلك". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.