أفكر في الانتحار

خالد عبد المنعم الرفاعي

قَوِّ عزيمتَكَ؛ فهذا سلاحٌ ماضٍ يجعَلُكَ غيرَ عاجِزٍ أَمَامَ البَلَاءِ, وتَيَقَّنْ أنَّ ما أَصَابَكَ، لم يَكُن ليُخْطِئَكَ، وما أَخْطَأَكَ، لم يكن لِيُصِيبَكَ.

  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -
السؤال:

السلام عليكم ان شاب عمري 16 عاما. جائني شعور غريب ف الشهور الماضيه كأن العالم غريب وان كل ماحولي ليس حقيقه وهادا الشعور يسبب لي ضيقهه شديده جدا جدا وحاولت ان اتخلص من هادا الشعور ولم استطع ولكن بعد مرور شهور وان اتحمل هادا الشي الغريب بدأت امل من ااحياه حتا إني الان مسافر خارج بلدي ولملل يصاحبني مللت الحياه كلهاا روتيني زواج حيات موت فقط م الجديد ولم اكن افكر بقتل نفسي ابدا الا ليوم بدأت افكر ف الانتحارر هل لكم حل لي مشكلتي؟؟

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ

فلا شك أن التُفَكِّرُ في الانتحار  من طاعةِ الشيطان، والاستسلام لليأس الذي هو من أعظم الذنوب والخطايا؛ فقد قال اللهُ جلَّ وعلَا: {إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].

فَعُدْ لِرُشْدِكَ، وَتَذَكَّرْ أن رحمةَ الله وسعت كلَّ شيء؛  فهو - سبحانه - أرحمُ بعباده من الأمِّ بِوَلَدِهَا؛ كما في الصحيحين عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قَدِمَ عَلَى النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سبيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا، وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ))، قُلْنَا: لَا، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ: ((لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا".

فَتُبْ إلى الله؛ حتى لا تَخْسَرَ الدنيا والآخرة؛ فالانْتِحارُ وقتلُ النفس - هدانا الله وإيَّاكَ - ليس حلًّا، ولا علاجًا لشيء، بل هو من أكبر الكبائر، لا يَجوزُ لِلمُسْلِم فعلُه مَهْمَا كانتِ الظُّروفُ الدافعةُ إليه، وذلك لأن فيها إزهاقًا لنفس أمر الله - تعالى - بِحفظها.

قال اللهُ تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا} [النساء: 29، 30].

وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحديدةٍ؛ فَحَديدتُه يَتَوَجَّأُ بِها في بَطنِه في نَارِ جهنَّم خالدًا مُخَلَّدًا فيها أبدًا، ومَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فهُو يتحسَّاهُ فِي نَارِ جهنَّم خالِدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا، ومَنْ تردَّى من جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فهو يتردَّى في نَارِ جهنَّم خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا"؛ رواه البخاري ومسلم.

فدلَّ ذلك على أنَّ قَتْلَ المَرْءِ نَفْسَهُ سببٌ لِلخُلُودِ في نارِ جهنَّم - والعياذ بالله - وأنَّ عذابه يكون بنفس الوسيلة الَّتِي تَمَّ الانتِحارُ بِها.

ولا تيأَسْ من رَوْحِ الله، ولا تَقْنَطْ من فَرَجِه؛ فإنَّ الفَرَجَ مع الصبر، وإنَّ مع العُسْرِ يُسرًا.

هذا؛ بالإضافة إلى أنَّ المُسْلِم مطلوبٌ منْهُ التسليمُ لِقضاءِ اللهِ - تَعالى – وقدَرِه، والرِّضا به، فكلُّ ما يُصيبُ المسلمَ، هو من قَدَرِ الله - تعالى - وقضائِهِ، والإيمانُ بِالقَدَرِ يَبْعَثُ في النَّفْسِ الطُّمَأْنِينةَ، والصَّبْرَ، والرِّضا؛ قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن:11].

قال قتادةُ - رحمه الله -: "هو الرجلُ تُصيبُه المصيبةُ، فيعلمُ أنَّها من عندِ الله، فيرضَى ويُسَلِّمُ".

والشارعُ الحكيمُ حثَّنَا عَلَى الصَّبْرِ عَلَى البَلَاءِ بَعْدَ وُقُوعِهِ، وكلُّ ما يَدُلُّ عَلَى الجَزَع وَعَدَمِ الرِّضَا بالقضاء، فهو مَنهيٌّ عنه، ورَوَى البُخارِيُّ وغيرُهُ: "لَا يتمنَّيَنَّ أحدُكُمُ الموتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِه"، الحديثَ.

وذلك لأنَّ تَمنِّيَ الموتِ يدلُّ على عدَمِ الرِّضا بِالقضاء، وعلى الجَزَع في البلاءِ، فعليكَ - أخي – بالصبرِ، والِالْتِجَاءِ إلى الله - تَعَالى - والتَّضرُّعِ إليه، ودَاوِمْ على الإلحاحَ على الله بالدعاء، وأنتَ مُوقِنٌ بِالإجابة، لا سيَّما في الثُّلُثِ الأخيرِ من اللَّيل؛ فهو القائل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].

قَوِّ عزيمتَكَ؛ فهذا سلاحٌ ماضٍ يجعَلُكَ غيرَ عاجِزٍ أَمَامَ البَلَاءِ, وتَيَقَّنْ أنَّ ما أَصَابَكَ، لم يَكُن ليُخْطِئَكَ، وما أَخْطَأَكَ، لم يكن لِيُصِيبَكَ؛ قال الله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيْبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُوْنَ} [التوبة: 51]، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن: 11]، قال ابن عباس: "يَهدِي قلبَهُ لليَقِينِ؛ فَيَعْلَمُ أنَّ ما أَصَابَه، لم يَكُن ليُخْطِئَه، وما أَخْطَأَه، لم يكن لِيُصِيبَه".

جَاهِدْ نَفْسَكَ في ذَاتِ اللهِ عَلَى الرِّضا، والاطمئنان لأقدار الله تعالى؛ فَوَرَاءَ كُلِّ عطاءٍ أو بَلَاءٍ حكمةٌ, واللهُ قال: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [ البقرة: 216]، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: "واللهِ لا أُبَالِي عَلَى خيرٍ أصبحتُ أَمْ عَلَى شَرٍّ؛ لأني لا أَعْلَمُ ما هُوَ الخَيْرُ لِي، وَلَا مَا هُوَ الشَّرُّ لِي".

وأكثر من قراءة القرآن الكريم بتدبر، وواظب على أداء الأذكار،، والله أعلم.