أبتليت بكثرة استخدام الانترنت
خالد عبد المنعم الرفاعي
أبتليت بكثرة استخدام الانترنت و الهاتف من مدة و هذا اثر علي مذاكرتي... و مذاكرتي تقل جدا.. و عندما تراكم كم كبير بدأت أشعر بحالة سيئة... فما الحل؟...جزاكم الله خيرا
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فمما لا شك فيه أن الابتلاء بكثرة استخدام الانترنت من تزين الشيطان ومن الانجراف في الفتنة، حتى يضيع على الطلاب أوقات المذاكرة والتحصيل، وهذا إن سلم من الوقوع في غيره من المحرمات وغالبا ما تكونُ هذه أُولى خطوات الفتن، فالشَّيطانُ يَجري منِ ابْنِ آدم مَجرى الدَّم، وقد حذَّر الله تعالى من اتِّباع خطوات الشيطان فقال الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [النور: 21].
وحذَّرَنَا النَّبيُّ من التَّطلُّع للفِتَن فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم -: "ستكونُ فِتن، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خيرٌ من الساعي، ومن يُشْرِف لها تَستشرفه، ومن وجد ملجأً أو معاذًا فليعذ به"؛ متفق عليه.
أما سبل النجاة من ذلك:
1- مجاهدة النفس في الابتعاد عن الانترنت، وأخذ النفس بالحزم والقوة؛ فقد وعد الله كل من جاهد نفسه في طاعة بالله بهداية السبيل؛ يقول الله - تعالى -: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
2 – كثرة الاستِعاذة بالله من شرِّ النفس وسيِّئات العمل، كما كان يدعو النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "أعوذ بك من شرِّ نفسي وشرِّ الشيطان وشركه"، مع سؤال الله - تعالى - العونَ على طاعته؛ فيحصل الخير ويدفع الشر، ولذلك كان دعاء فاتحة الكتاب أنفَع الدعاء وأعظمه وأحكمه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6 - 7]، فإنَّه إذا هَداه هذا الصراط أَعانَه على طاعته وترْك معصيته، فلم يُصِبْه شرٌّ لا في الدنيا ولا في الآخرة، والذنوب من لوازم النفس، وهو محتاج إلى الهدى كلَّ لحظة، وهو إلى الهدى أحوج منه إلى الأكل والشرب؛ ولهذا أمَر به في كلِّ صلاة لفرط الحاجة إليه، وإنما يعرف بعض قدره مَن اعتبر أحوال نفسه؛ قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى".
3- الدعاء بالهداية والاستِقامة والثَّبات عليهما؛ فالله - تعالى - بفضله ورحمته جعَل الدعاء من أعظم الأسباب الجالبة للخير، المانعة من الشر، فعليك باللجوء إلى الله والتضرُّع إليه أن يُثبِّتك على دينه، وأن يَزِيدك استقامةً وصلاحًا، وهذا مسلكُ المؤمنين، كما حكَى الله عنهم في القرآن الكريم؛ قال - سبحانه -: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: 8]، وقال - تعالى -: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} [البقرة: 250].
وكان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: "يا مقلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك"؛ رواه الترمذي عن أنس - رضِي الله عنه.
4- العمل على صلاح القلب بكثرة قراءة القرآن بتدبُّ؛ فالله - تعالى - يقول: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} [الفرقان: 32]، وقال: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27].
5- الابتِعاد عن المعاصي والذنوب جملةً، ولا يعني هذا أن يصير المسلم معصومًا، ولكن كلَّما استخفَّكِ الشيطان وقهرَتْك نفسك، فافزَعِي إلى الله بالتوبة.
6- المحافظة على واجبات الشريعة، لا سيَّما الصلاة في أوقاتها، وعدم التفريط في شيءٍ منها، مع الالتِزام بسائر أحكام الشرع؛ فالله - سبحانه - يقول: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا} [النساء: 66].
يقول العلامة السعدي في "تفسيره" (185):
"أخبر أنهم لو فعلوا ما يُوعَظون به؛ أي: ما وظف عليهم في كلِّ وقت بحسبه، فبذلوا هممهم، ووفَّروا نفوسهم للقِيام به وتكميله، ولم تطمح نفوسهم لما لم يصلوا إليه ولم يكونوا بصدده، وهذا هو الذي ينبَغِي للعبد أن ينظر إلى الحالة التي يلزمه القيام بها فيكملها، ثم يتدرَّج شيئًا فشيئًا حتى يصل إلى ما قُدِّر له من العلم والعمل في أمر الدين والدنيا.
7- قراءة سيرة النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وقصص الأنبياء والصحابة والتابعين والصالحين، ففيها عِبَرٌ وحياةٌ للقلب؛ كما قال - تعالى -: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: 120].
8 – استبدال الانترنت بصحبة صالحة من المؤمنين، فهذا ممَّا يشدُّ أزرك في الالتِزام ويُعِينك على التمسُّك بالدين، وعلى قمع نوازع الشر في نفسك؛ ففي الصحيحين عن أبي موسى - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "مثَل الجليس الصالح والجليس السوء كمَثَل صاحب المسك وكير الحدَّاد، لا يَعدَمك من صاحب المسك إمَّا تشتريه أو تجد ريحَه، وكير الحدَّاد يحرق بدنك أو ثوبك أو تجد منه ريحًا خبيثة".
فالطِّباع سرَّاقة، والصحبة مؤثِّرة في إصلاح الحال أو إفساده؛ لأنَّ الطِّباع مجبولةٌ على التشبُّه والاقتِداء، بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لا يَدرِي، ومن ثَمَّ قال - سبحانه -: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]، وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدُكم مَن يُخالِل"؛ رواه أبو داود.
هذا؛ والله أعلم.