حكم العمل مع الحكومات الديمقراطية ولجان الانتخابات

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم اخوتي. انا شاب اعيش في الصومال.كما تعلمون نسبة البطالة مرتفع خاصة في الشباب. انا لا عمل. بعد شهر ارجو ان اجد وظيفة في هيئة الانتخابات. سوالي هي ما حكم العمل في وظائف الحكومة خاصة في هيئة الانتخابات . علما بان النظام الدولة نظام ديمقراطي. ؟ وهل يكون راتبي رزق حلال ام حرام ؟ افيدوني وفقكم الله.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:

فالعمل في الوظائف الحكومية لا شيء فيه، إن كان العمل مباحًا، حتى وإن كان نظام الحكم غير إسلامي؛ كالنظام الديموقراطي أو الشيوعي أو الدكتاتوري غيرهما من الأنظمة الوضعية المنافية للإسلام.

وإن كان العمل غير مباح فيجوز العمل ولكن بقصد تأْيِيد الحقِّ، وعدم الموافقة على الباطل، والدِّفاع عن حقوق المسلمين، ورفع الظُّلم عن المظلومين، وإقامة ما استطاع من العدْل، وتقْليل الشَّرِّ.

أما العمل في هيئة الانتخابات، فيجوز أيضًا بشرط تحقيق مصلحة شرعية راجحة، ونصرة للحق وتخفيفاً للشر والظلم، ورفض الباطل أو التخفيف منه أو إظهار الحق أو بعضه أو الحد من تواجد أهل الباطل من غير مباشرة لمعصية، أو التزامٍ بأصل من أصول الكفر، أو إقرار باطل أو رد شيء من الحق أو موافقة على حكم من أحكام الطاغوت المخالفة لشرع الله؛ فالمشاركة في هذا الوجه مشروعة، عملاً بقوله - تعالى -: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، وهو ما ذهب إليه بعض المعاصرين، ومنهم الشيخ ابن باز وابن عثيمين.

ومن أهل العلم من ذهب إلى المنع من المشاركة في الانتخابات وفي أعمالها؛ لما يترتب على ذلك من المفاسد العظيمة، ومنها: الركون إلى الظالمين، وحضور مجالسهم، واختلاط الحق بالباطل، وعدم ظهور راية أهل الإيمان، وتمايزهم عن أهل الكفر والطغيان، والله تعالى قد نهى عن ذلك كله فقال: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:113]، وقال تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} [النساء:140]، وقال تعالى: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [الفتح :25].

والراجح أنه لو وجدت مصلحة راجحة من العمل في تلك الهيئة فلا بأس، وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في "مجموع الفتاوى" حيث قال:

"ثم الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبة فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب أو أحب، فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوباً تارة واستحباباً أخرى.

ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق على خزائن الأرض لملك مصر؛ بل ومسألته أن يجعله على خزائن الأرض وكان هو وقومه كفاراً، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ} [غافر:34]، وقال تعالى عنه: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [يوسف:39-40]. ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله فإن القوم لم يستجيبوا له لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]".

وقال أيضًا: "فمَن وَلِي ولاية يقصِد بها طاعة الله، وإقامة ما يُمكنه من دينِه ومصالح المسلمين، وأقام فيها ما يُمكنه من الواجبات، واجتِناب ما يمكن من المحرَّمات - لا يؤاخذ بِما عجز عنْه، فإنَّ تَوْلِية الأبرار خيرٌ من تَوْلِية الفجَّار". اهـ. 

هذا؛ والله أعلم.