كنت أمارس العادة السرية وأجهل حكم الاغتسال بعدها
خالد عبد المنعم الرفاعي
من رحمة الله تعالى على عباده المسلمين أن حكم الشرع لا يثبت في حق المكلفين إلا بعد البلاغ، فمن كان جاهلاً ببعض فروع الشريعة أو لم يبلغه حكمها، فإنه معذور بجهله.
- التصنيفات: فقه العبادات - فقه الصلاة -
كنت أمارس العادة السرية واعرف أنها محرمة ولكن اجهل الاغتسال بعدها، فما حكم صلاتي؟
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فإن الغسل من الجنابة شرط في صحة الصلاة بالنص وإجماع العلماء؛ قال الله تعالى: {وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، فأمر بالتطهُّر من الجنابة، وقال سبحانه: {وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء: 43]، والتطهُّر هو الاغتِسال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية "مجموع الفتاوى" (21/ 295):
"الطهارة من الجنابة فرض، ليس لأحد أن يصلي جنبًا ولا محدثًا حتى يتطهر، ومن صلى بغير طهارة شرعية مستحلاً لذلك فهو كافر، ولو لم يستحل ذلك فقد اختلف في كفره، وهو مستحق للعقوبة الغليظة، لكن إن كان قادرًا على الاغتسال بالماء اغتسل، وإن كان عادمًا للماء ويخاف الضرر باستعماله بمرض أو خوف برد تيمم وصلى، وإن تعذر الغسل والتيمم صلى بلا غسل ولا تيمم في أظهر أقوال العلماء، ولا إعادة عليه". اهـ.
غير أنه من رحمة الله تعالى على عباده المسلمين أن حكم الشرع لا يثبت في حق المكلفين إلا بعد البلاغ، فمن كان جاهلاً ببعض فروع الشريعة أو لم يبلغه حكمها، فإنه معذور بجهله؛ قال الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ } [الأنعام: 19]، أي: من بلغه حكم الشع، وقال - تعالى -: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا} [البقرة: 286]، وفي صحيح مسلم أنَّ الله أجاب هذا الدعاء، قال سبحانه: "قد فعلت".
قال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 5].
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (2 / 48): "والصحيح في جميع هذه المسائل، عدم وجوب الإعادة؛ لأن الله عفا عن الخطإ والنسيان، ولأنه قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، فمن لم يبلغه أمر الرسول في شيء معين، لم يَثْبُت حكم وجوبه عليه، ولهذا؛ لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر وعمارًا - لمَّا أجنبا - فلم يصل عمر وصلى عمار بالتمرغ - أن يعيد واحد منهما، وكذلك لم يأمر أبا ذر بالإعادة، لمَّا كان يُجنِب ويمكث أيامًا لا يصلي، وكذلك لم يأمر من أكل من الصحابة - حتى يتبين له الحبل الأبيض من الحبل الأسود – بالقضاء، كما لم يأمر من صلى إلى بيت المقدس - قبل بلوغ النسخ لهم – بالقضاء.
ومن هذا الباب، المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي؛ لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها، ففي وجوب القضاء عليها قولان:
أحدهما: لا إعادة عليها؛ كما نقل عن مالك وغيره؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم: إني حِضت حيضة شديدة كبيرة منكرة منعتني الصلاة والصيام، أمرها بما يجب في المستقبل، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي". اهـ.
إذا تقرر هذا؛ فلا يجب عليك قضاء الصلوات التي صليتها بغير غسل من الجنابة، وإنما تجب عليك التوبة النصوح من ممارسة تلك العادة،، والله أعلم.