ما حكم زواج المسلمة من رجل نصراني

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

ما حكم زواج المرأة المسلمة من رجل غير مسلم نصراني مثلا

الإجابة:

الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ عَلَى رسولِ اللهِ، وعَلَى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ:

فإن زواج المسلمة  من النصراني رِدَّةٌ عَنِ الإِسْلَامِ؛ لأنهُ استحلالٌ لِمَا حَرَّمَهُ اللهُ، وهو مَحْضِ زِنَا، وَمِنَ الفَوَاحِشِ العَظِيمَةِ الَّتِي نَهَى اللهُ عَنْهَا، وَأَنَّ الْعَقْدَ بَاطِلٌ بِالْكِتَابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ؛ فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة:221].

وقد نصّ على هذا أئمة التفسير، 

قال شيخُ المفسرينَ الإمامُ أبو جعفرٍ الطبريُّ: "إِنَّ اللهَ قد حرَّم عَلَى المؤمناتِ أن ينكِحْنَ مشركًا كائنًا مَن كانَ المُشْرِكُ، وَمِن أيِّ أصنافِ الشِّرْكِ كَانَ، فَلَا تنكِحُوهنَّ أَيُّها المؤمنون مِنْهُمْ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ حرامٌ عليكم، وَلِأَنْ تُزَوِّجُوهُنَّ مِنْ عبدٍ مؤمنٍ مصدِّقٍ باللهِ، وبرسولِهِ، وبما جاء بِهِ من عند الله، خيرٌ لكم من أن تُزَوِّجُوهُنَّ من حُرٍّ مشركٍ، ولو شَرُفَ نَسَبُهُ، وَكَرُمَ أَصْلُهُ، وَإِن أَعْجَبَكُمْ حَسَبُهُ وَنَسَبُهُ".

 وقال الإمام القرطبي: "أَيْ لَا تُزَوِّجُوا الْمُسْلِمَةَ مِنَ الْمُشْرِكِ. وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكَ لَا يَطَأُ الْمُؤْمِنَةَ بِوَجْهٍ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْغَضَاضَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ".

وَقَدِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الأمَّةِ عَلَى أنَّ زَوَاجَ الكَافِرِ بالمُسْلِمَةِ بَاطِلٌ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا؛ لِمُخَالَفَتِهِ صَرِيحَ القُرْآنِ الكَرِيمِ؛ وَقَدْ نَقَلَ الإجْمَاعَ ابْنُ المُنذِرِ، وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، وابْنُ قُدَامَةَ، والشَّوْكَانِيُّ، وغيرُهُم.

أَمَا كَوْنُ زَوَاجِك المسلمة مِن الكافر رِدَّةً عَنِ الإسلامِ؛ فَذَلِكِ لإجماعِ العُلَمَاءِ عَلَى كُفْرِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَهُ اللهُ، وكفر من لم يعتقد تحريم المحرمات، فالزَّوَاجِ من النَّصْرَانِيِّ يلزم منه اعتقاد حل ذلك، وعدم اعتقاد تحريمه، وكلاهما كفر مجرد، بخلاف فاحشة الزِّنَا مَع النصراني مِنْ زواج؛ ففِيهَا مَحْظُورٌ وَاحِدٌ، أَمَّا الزَّوَاجُ بِهِ، فَفَيهِ مَحظُورَانِ الزِّنَا، واعْتِقَادُ حِلِّ مَا حَرَّمَهُ اللهُ، وَهُوَ كُفْرٌ خَالِصٌ، وهذا هو السر في أَمَرَ النبيُّ - صَلى الله عَلَيه وَسَلم - بِقَتْلِ مَن تَزَوَّجَ زَوْجَةَ أَبِيهِ، وَ تَخْمِيس مَالِهِ؛ كما

 رَوَى الْبَرَاءُ قال: " لَقِيتُ عَمِّي ومَعَهُ الرَّايَةَ، فَقُلْتُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقَالَ: "بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَآخُذَ مَالَهُ"؛ رواه أحمدُ، والترمذيُّ وحسنه، والنسائيُّ، وابنُ ماجهْ، وصححه الألبانيُّ في الإرواء (2351).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى (20/ 90-92)

"أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ مِنْ مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ أَنَّهُمْ لَا يُكَفِّرُونَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِذَنْبٍ، وَلَا يُخْرِجُونَهُ مِنْ الْإِسْلَامِ بِعَمَلٍ، إذَا كَانَ فِعْلًا مَنْهِيًّا عَنْهُ؛ مِثْلَ: الزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، مَا لَمْ يَتَضَمَّنْ تَرْكَ الْإِيمَانِ، وَأَمَّا إنْ تَضَمَّنَ تَرْكَ مَا أَمَرَ اللهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ؛ مِثْلَ: الْإِيمَانِ بِاَللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِهِ، وَكَذَلِكَ يَكْفُرُ بِعَدَمِ اعْتِقَادِ وُجُوبِ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَعَدَمِ تَحْرِيمِ الْحُرُمَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ"، ثم ذَكَرَ حَدِيثَ الْبَرَاءِ السَّابِقَ، وَقَالَ: "فإن تَخْمِيسَ الْمَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا، لَا فَاسِقًا، وَكُفْرُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ". اهـ.

هذا؛ والله أعلم.